Site icon IMLebanon

مسلمو الغرب وعبء «الإخوان»

 

حذّرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» من نيات البيت الأبيض بتصنيف «الإخوان المسلمين» منظمة إرهابية. لكن التحذير لا يذهب إلى التفريق بين «الإخوان» وجماعات إرهابية ترفع الإسلام شعاراً لها كـ «القاعدة» و«داعش»، من باب أن «الإخوان» يقدّمون أنفسهم كجماعة سياسية إسلامية وسطية.

يذهب التحذير إلى مجال آخر يطاول الشخصية الثقافية للجاليات المسلمة، خصوصاً في أوروبا وأميركا وأستراليا، إذ تعتبر «هيومن رايتس ووتش» أن «الإخوان» حركة اجتماعية وسياسية إسلامية دولية لها أحزاب سياسية عدة وجمعيات خيرية ومكاتب مستقلة في الشرق الأوسط وأوروبا وأماكن أخرى». لكن هذا الاعتبار بالذات يحدّ من حرية أبناء الجاليات الإسلامية في ممارسة ثقافاتهم الوطنية العائدة جذورها إلى بلادهم الأصلية، وفي ممارسة شعائرهم الدينية بعيداً من التعليمات السياسية لجماعة «الإخوان» والتي تريد تطبيقها على مسلمي العالم ليصبحوا أشبه بجنود لها وأحياناً بطوابير خامسة في أوطانهم الجديدة.

وتذهب «هيومن رايتس ووتش» من حيث تدري أو لا تدري إلى الاستخفاف بحرية المسلم في اختيار مرجعياته لجهة العبادة وأخلاقيات التعامل مع المؤمنين بأديان أخرى أو غير المتديّنين، حين تفترض أن «الإخوان»، وهم في الأصل وإلى الآن جماعة سياسية ترفع الإسلام شعاراً لها، هي المرجع الديني الأساسي للجاليات إن لم تكن مرجعهم الوحيد.

وذلك حين تعتبر المنظمة الدولية تصنيف «الإخوان» في أميركا جماعة إرهابية «تهديداً لحق الجماعات المسلمة في التكوُّن داخل الولايات المتحدة، وتقويضاً لقدرة أعضاء جماعة «الإخوان» وأنصارهم على المشاركة في الحياة السياسية الديموقراطية في الخارج».

نفترض أن المواطن المسلم في أوروبا وأميركا وأستراليا منخرط في مجتمعه بما في ذلك المجال السياسي وهو يقبل على الانتخابات ليدفع بمن يؤيدهم من شخصيات أو أحزاب إلى موقع القرار، وأن أخلاقه الإسلامية تؤثر في مصالحه وفي رؤيته الاجتماعية حين يضع ورقته في صندوق الاقتراع. ونفترض أن ضمير المواطن من أبناء الجاليات الإسلامية هو ما يحدد خياراته السياسية وليس قرار مرشد «الإخوان المسلمين» من مكان بعيد ومن مصالح مختلفة ورؤى ضيقة، المفروض على المسلم عبر ضغوط تصل أحياناً إلى التكفير.

وحين تلتفت منظمة دولية لحقوق الإنسان إلى الجاليات الإسلامية، ينبغي أن تدعم حرية المواطن المسلم في الاستناد إلى قوانين بلاده الجديدة ومواجهة ضغوط الجماعات الإرهابية التي تخاطبه باسم دينه، أو الجماعات السياسية الإسلامية العابرة للثقافات والأوطان مثل «الإخوان المسلمين» التي تدفعه إلى الانسلاخ عن الثقافة العميقة في وطنه الأم وفي وطنه الجديد.

إن «حق الجماعات المسلمة في التكوّن داخل الولايات المتحدة» يفترض حرية المسلمين الأميركيين في اختيار مراجعهم الدينية، خصوصاً أن كثيرين منهم يحذّرون من رجال دين يلقون في المساجد خطباً سياسية لا دينية، لكونهم يمثلون أحزاباً أو أنظمة في بلاد المنشأ أكثر مما يعبّرون عن رسالة الدين الإيمانية والإنسانية. وهنا نلاحظ اعتماد جاليات إسلامية، خصوصاً في الولايات المتحدة، أئمة مساجد من أبنائها ليضمنوا الابتعاد عن التعصب والتحامل اللذين يطغيان على معظم الإسلام السياسي في بلادهم الأصلية.

وإذا كان من إيجابية تحملها كوارث التطرف الإسلامي فهي تصاعد الوعي بأهمية الثقافات الوطنية، والنظر إلى الدين كشأن إيماني لا كمنظومة اجتماعية وسياسية. وقد بدأت جاليات مسلمة تتسمّى بأوطانها لا بديانتها، فالمسلمون اللبنانيون، مثلاً، لهم مساجدهم الخاصة بهم، ومثلهم المصريون والباكستانيون والهنود والمغاربة وغيرهم. وينخرط هؤلاء في بلادهم الجديدة عبر ثقافاتهم التي يتقبلها الآخر المختلف، من المطبخ إلى الغناء إلى الزخرفة والأزياء وغير ذلك. وهذا الانخراط لا يتعارض مع الإيمان بقدر ما يعززه ويحفظه من مصالح دنيوية عدوانية معولمة تسيء إليه وإلى المؤمنين.

وربما نسمع في المستقبل القريب عن مسلم فرنسي أو مسلم ألماني أو مسلم أميركي، بدل الكلام على جاليات إسلامية نقرأ هويتها العمومية في جذور بعيدة لا في شجرة المواطنة الحاضرة.