يتكون مشهد سياسي في البلاد شبيه الى حد كبير بالمرحلة التي سبقت اعداد واقرار القانون 1559، في العام 2004 لناحية الموقف الدولي تجاه لبنان وهذا الامر يتسارع بعيد انتخاب الرئيس دونالد ترامب وتدفق مواقفه و اركان ادارته حول سلبية دور ايران وحزب الله.
في ظل هذا الواقع يبدو ان محور الممانعة الذي كسب الانتخابات الرئاسية بانتخاب عون رئيسا للجمهورية، بدأ حربا استباقية تجلت في الموقف الاخير لرئيس البلاد من سلاح حزب الله ومن ثم تهديدات امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وما راقفهما من ردات فعل وتهديد اسرائيلي واضح عبّر عنه مندوب تل أبيب تجاه لبنان.
وعلى وقع المنحى الجديد في الادارة الاميركية المعادي لإيران وحلفائها في المنطقة تستعد قوى الممانعة لاستدراك اي مخاطرة قد يقدم عليها الفريق المواجه، أي القوى التي كانت منضوية في 14 اذار وتجمعت في احياء ذكرى الرئيس الحريري في «البيال» وطبعا دون احتساب ضيوف 8 اذار ولذلك فإن موقفي الرئيس عون والسيد نصرالله هما بمثابة انذار لهذه القوى بأن لبنان بات رسميا وعمليا وواقعيا في عهدة الخيار السياسي الذي رسمته المقاومة على اكثر من صعيد وهو مسلم به، ولذلك ان مجهود القوى الدولية وفي مقدمها واشنطن لن يأتي بنتيجة.
وبعد صدور موقف يتيم معترض عما اعلنه عون من قبل كاغ وعدم ظهور اي تعبير غربي واضح لم تخف اوساط غربية خوفها من تداعيات كلام رئيس الجمهورية على منسوب الدعم العسكري الاميركي الى لبنان، بحيث قد يستعمل موقف رئيس الجمهورية في الكونغرس الاميركي لتوقيف المساعدات الى الجيش اللبناني طالما ان قوات لبنان المسلحة عاجزة فيما المقاومة هي السبيل الامثل للدفاع عنه .
وقبيل عدة تحركات غربية مرتقبة وزيارات أميركية الى لبنان شجعت جهات غربية قوى مناوئة لحزب الله لاتخاذ مواقف من كلام عون بهدف تصوير الامر في المحافل الدولية بان ثمة جانب لبناني فاعل لا يتماهى في خياراته مع توجهات رئيس البلاد، لتبيان تعددية الاّراء لكن هذه القوى فضلت عدم التجاوب مع «النصيحة الغربية» وآثرت التعاطي مع الامر بهدوء بعيدا عن اي مراهنة بعد تجاربها السابقة في المواجهة مع محور الممانعة الذي تكبدت معه خسائر متنوعة على مدى سنوات كانت فيها إدارة الرئيس السابق اوباما تغض النظر عن ممارسات ايران في المنطقة التي كانت على حساب المحور الاقليمي الداعم لهذه القوى التي كانت تجتمع تحت مظلة 14 اذار. لكن في الوقت ذاته تبدو هذه القوى حسب المراقبين غير قادرة على الاستنهاض او التعبير عن رفضها لما يعلنه عون بعداطباقه عليها اثر انتخابه وباتت «منهكة» على وقع التوازنات الاقليمية التي ترخي بثقلها على لبنان حتى حينه.
وتكمن في طيات الحرب الاستباقية لمحور الممانعة ولرئيس الجمهورية اسقاط اي مشهد سياسي قد يستعيد تجربة العام 2006 بحيث كان للبنان موقفان رسميان وسياسيان متناقضين بين قصر بعبدا وقوة 8 اذار من جهة وبين السراي و14 اذار من جهة اخرى لذلك فإن رئيس الجمهورية يهدف في كلامه لتوحيد الموقف اللبناني منذ اليوم منعا لاستثماره سلبا اذا ما انزلق اي جانب لموقف متمايز عنه كما هو يعتبر حسب اوساط مطلعة بان العقيدة الاستراتيجية التي يعبر عنها لا تتعارض او تتضارب مع الاتفاق الرئاسي الذي ارساه حينها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والمهندس نادر الحريري مدير مكتب رئيس الحكومة وتيار المستقبل كما لا يأتي هذا الموقف المميز لرئيس البلاد على حساب الهامش الاقتصادي والانمائي الذي هو على عاتق رئيس الحكومة سعد الحريري، عملا بالتفاهم المسبق.
ولا تبدو اي من قوى «البيال» على استعداد لمواجهة عون لاعتبارها ان المواجهة معه لا تفيد، ولا تريد في الوقت ذاته ان تفتح معركة توتر المناخ السياسي دون اية مكاسب، لا سيما ان المواجهة التي بدأها ترامب مع ايران وحلفائها تدفعها للترقب وانتظار نتائجها، اذ يكفي ان يعود زمن المواجهة الجدية بين واشنطن وطهران وعودة العقوبات فقط لكي يتأثر محور الممانعة، لان منطق هذه القوى تتابع أوساطا عليمة ليس الانقلاب على عون ولا مواجهته طالما ان التفاهم السعودي -الإيراني هو الذي أنتج التسوية الرئاسية بهدف تنظيم الخلاف اللبناني، والانقلاب عليه نتيجة المواقف الاخيرة لعون يأتي بمثابة التسرع والمخاطرة بالبلد ويوتر المناخ السياسي القائم في حد ذاته وقد يرخي بظلاله على عدة ملفات، في وقت ممكن الانتظار حتى مرور غيمة ترامب لكي تمطر في مكان اخر…