في بيان صادر عن السفارة البريطانية في بيروت قبل عدة أيام أوضحت فيه أنّ رئيس البعثة مارتن لنغدن التقى يوم الجمعة الماضي وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لتوقيع مذكرة تفاهم تؤكد استمرار التعاون مع قوى الأمن الداخلي، كما سيلتقي قريبا قائد الجيش العماد جوزف عون في محاولة لفهم تداعيات منتظرة لقرارات رفع الدعم!!
ماذا تعني هذه اللقاءات خصوصا لسفير بريطاني لطالما كانت دولته من المنخرطين تاريخيا وبشكل رئيسي في تنظيم أصول الحدود بين الدول والخوف من إندلاع الفتن منذ العام 1840؟
مصادر وزارية سابقة تعتبر أن مسألة رفع الدعم على الأرجح ستتم خلال شهر أيّار الذي سيشكل شهراً مفصلياً يفصل ما قبله عما بعده، إذا صدقت وعود رفع الدعم، مع اقتراب فقدان آخر دولارات مصرف لبنان، ومحاولته تجنّب تجرّع كأس المسّ بالاحتياطي الإلزامي.
وتضيف المصادر ربطا بزيارات السفير البريطاني مع العلم أنها قليلة مقابل جولات السفيرة الاميركية لكنها الأنجح على الاطلاق لتقول: أن التطوّرات اللبنانية المتلاحقة تنذر بقلق شديد في ظلّ التخوّف من تدهور الأوضاع في شهر أيار وبعد انتهاء شهر رمضان، وذلك بسبب الحديث المتكرّر عن احتمال رفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية بعد عطلة عيد الفطر، ما سيؤدي الى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وتوقع حصول تطوّرات أمنية واجتماعية خطيرة، ولا سيما في ظل الفشل المستمر بتشكيل حكومة جديدة.
وتلفت هذه المصادر أنه على ضوء هذه المخاوف بدأت بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية دراسة الاحتمالات المتوقعة والتحضير لكل الخيارات على صعيد التعامل مع التحركات الشعبية واللجوء الى العنف من قبل المحتجين، الذين يمكن أن تتطور إحتجاجاتهم الى نحو دراماتيكي وصولا الى إستعمال السلاح، في حين تحركت العديد من البعثات الدبلوماسية الأجنبية والعربية في بيروت من أجل اللقاء مع قيادة الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة الأمنية، سواء لبحث حاجات هذه الأجهزة وكيفية تلبيتها، أو للتحذير من المخاطر المتوقعة، مع العلم الاكيد أن هذه الاجهزة محتاطة منذ حوالي العامين لهكذا تطورات.
وفي حين لم تتّضح نتائج زيارة رئيس الحكومة المستقيلة الدكتور حسان دياب إلى قطر، فقد جرى الحديث عن السعي للحصول على دعم بقيمة 500 مليون دولار لتمويل البطاقات التموينية التي سيجري البحث فيها قبل رفع الدعم، إلا إنّ القرار السعودي بوقف السماح باستقبال الصادرات اللبنانية أو السماح بمرورها عبر الحدود السعودية، وذلك بعد اكتشاف شحنة مواد مخدّرة ضمن شحنة من ثمار الرمان، قد يكون له تداعيات سلبية على الوضعين الإقتصادي والمالي في الفترة المقبلة.
ومن خلال هذه المشهدية تتوقع هذه المصادر تداعيات سلبية على الوضع الإقتصادي والمالي في الفترة المقبلة وقد لاحظت هذه المصادر أن جهات دبلوماسية في بيروت تتداول سيناريوهات عديدة متوقّعة منها: تصاعد الصراعات الداخلية بين مختلف الأطراف بعد سلسلة من التعقيدات القضائية مع إمكانية انتقال الإشتباك إلى كلّ المؤسسات العسكرية والأمنية مع ظهور تباينات بعض هذا المشهد أمام شركة مكتّف بين جهازين أمنيين في مما يعني المزيد من الإنقسامات والتوترات.
والامر الثاني تضيف هذه المصادر صعوبة سيطرة القوى الأمنية والعسكرية على الأوضاع في ظل وضع معيشي – إجتماعي طال كافة المؤسسات المدنية والعسكرية وقد تعود مسألة عودة قطع الطرقات وما سيؤدي إليه من إحتكاكات ونزاعات بين قوى سياسية وحزبية، في ظلّ تصاعد لهجة الخطاب السياسي بين هذه الأطراف.
الامر الثالث بروز ما يمكن تسميته بـالفيدرالية المجتمعية والإقتصادية والأمنية، بحيث يعمد كل طرف سياسي وحزبي على ترتيب أوضاع مناطقه وتأمين الحاجات الأساسية من مواد غذائية ومحروقات وكهرباء، إضافة لضبط الأوضاع الأمنية المجتمعية بالتعاون مع البلديات والعناصر الحزبية، وقد بدأت هذه المشاهد في بعض المناطق.
في خلاصة الامر لهذه المصادر أن القرار السعودي ليس إبن ساعته وهو ليس قرارا إقتصاديا بحتا بل أن مداه يصل الى سياسة المملكة تجاه لبنان منذ فترة إنكفاءها عن الساحة اللبنانية كليا، مع أن المملكة كانت لها اليد الطولى في المساعدة بالرغم من كافة التحولات داخليا في لبنان إلا أنها غير مبالية بالوضع الاقتصادي للبنانيين الذين وصلوا الى حدود الجوع!!، إنما هذه المصادر لا تغفل حصول تطوّر سياسي أو عسكري غير تقليدي يدفع الجميع للعودة إلى الحوار وتشكيل حكومة جديدة وبدء الحصول على المساعدات الخارجية لإنقاذ الوضع، رغم أنّ كلّ المؤشرات الحالية لا تشير إلى ذلك.