المقاومة في جهوزيّة ومُناورات «صامتة»
«غرق» المسؤولون اللبنانيون في «تفصيل» قانون انتخابي يعيد انتاج الصيغة السياسية والطائفية الراهنة مع بعض «الرتوش» لم يحجب خطورة تقاطع تقارير دبلوماسية غربية وصلت الى بيروت تحذر مما اسمته عام «المقايضات» الدولية والاقليمية، وانعكاساته السلبية على الساحة اللبنانية، بعد ان اعيد استحضار «ملف» حزب الله بقوة، ووضعته اسرائيل وغيرها من القوى الاقليمية على «الطاولة» في ظل مشاريع التسوية في المنطقة… وهذا ما يشرع «الابواب» امام كل الاحتمالات لان إسرائيل التزمت بتفاهمات مع الولايات المتحدة وروسيا على سياسة مقيّدة تقوم على عدم التدخل المباشر في سوريا لكن بشرط المحافظة على المصالح الحيوية الاسرائيلية… وهذه المصالح مهددة اليوم.
وبحسب التقرير الدبلوماسي الاوروبي، فان تفاهم الرئيس الاميركي دونالد ترامب مع الرئيس الروسي على القضاء على التنظيمات الإرهابية في المنطقة سيشكل الترجمة العملية للتفويض الأميركي الممنوح لروسيا في إدارة الملف السوري لكن السؤال الذي يؤرق الاسرائيليين هو هل سيكون هذا التفويض دون ثمن؟ بالطبع لا، اسرائيل غير معنية بترسيم حدود الدور الاقليمي التركي لكنها مهتمة بشكل اساسي بـ«ضبط الايقاع» الإيراني، وما تريده صراحة «تقليم اظافر» ايران في الاقليم، وفي مقدم هذه الاستراتيجية ياتي «خطر» حزب الله…
ووفقا للمعلومات، فان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو سيحمل معه الى واشنطن الملف الفلسطيني بيد، وملف حزب الله بيد أخرى، وهو سيبلغ ترامب بأن اولوية محاربة واشنطن لـ«داعش» لا تتناسب مع الاولويات الاسرائيلية، وسيحمل معه التقدير الاستراتيجي لإسرائيل لعام 2016 -2017 والذي خلص إلى أن حزب الله لا يزال يتصدّر سلّم التهديدات بالنسبة لإسرائيل لا «حماس»، ولا «داعش»، بل الحزب الذي يملك آلاف الصواريخ التي تصل إلى تل ابيب»، وهو يملك دفاعاً جوياً روسيا متطوراً حصل عليه بطريقة غير مباشرة من سوريا وبتمويل إيراني… فـ«داعش» في نظر الاسرائيلين لا يحارب إسرائيل، في سوريا بل يحارب الرئيس الأسد، وفي مصر يحارب الجيش المصري، وفي العراق يقاتل العراقيين، ويغرق ايران في حرب مذهبية طويلة الامد. وهو تنظيم لا يشكل خطرا على الامن الاسرائيلي، وحتى على الامن القومي الاميركي، طالما ان ساحة القتال ما تزال مفتوحة على امتداد دول الشرق الاوسط… لكن اذا كان من قرار حاسم بالتعامل معه بحزم والقضاء عليه، فيجب على واشنطن ان تأخذ بعين الاعتبار ان الرابح الاول سيكون حزب الله العدو الاكثر خطورة على اسرائيل، ومن ورائه ايران، وهذا لن تقبله اسرائيل، ولن تقبل ان يؤجل حسمه الى ما بعد مرحلة القضاء على ارهاب «داعش»، ثمة الحاح لوضع ملف حزب الله على «طاولة» التفاوض مع روسيا، لان ما بعد ضرب «الارهاب السني»، لن يكون هناك ما يمكن المقايضة عليه للتخلص من خطر حزب الله المتعاظم…
هذه «المقايضة «اطلت برأسها» خلال اللقاء الثلاثي في موسكو بين وزراء خارجية ايران وروسيا وتركيا، حين طالب شاويش اوغلو «مواربة» بثمن سياسي مقابل ضرب التنظيمات الارهابية، واضعا حزب الله وهؤلاء بكفة واحدة، وهنا تلتقي اسرائيل مع مصالح دول «المحور السني» المعادي لمحور المقاومة وعلى رأسه تركيا والسعودية، وان اختلفا في ملفات اخرى، لكن ما يجمعها هو عدم القبول باختلال ميزان القوى في المنطقة لمصلحة ايران «والمجموعات» المدعومة منها، وبحسب المراسلات السعودية الى البيت الابيض، «اذا كان لا بد من القضاء على التنظيمات الارهابية» السنية، فهذا يفترض ايضا «ضرب» حزب الله وتقليص نفوذه، لانه في الاصل مصنف كتنظيم ارهابي في الولايات المتحدة الاميركية فلماذا «غض الطرف عنه»؟
ـ جهوزية حزب الله ـ
هذه المخاطر حاضرة بقوة في طهران، كما في بيروت، ويبدو ان الحرس الثوري الايراني متنبه لخطر المقايضات المحتملة، وقدم فريق من الخبراء الإيرانيين تابع للحرس الثوري «قراءة سوداوية» للمجلس الأعلى للأمن القومي عن مستقبل الاتفاق النووي ، كما حذر التقرير من تصادم «المصالح» مع موسكو، ووصفوا الروس بانهم «حليف لا يُعتمد عليه»… اما كيف يستعد حزب الله لهذه السيناريوهات؟
فتشير اوساط معنية بهذا الملف الى ان قيادة حزب الله تدرك جيدا خطورة المرحلة وباتت على جهوزية تامة لمواجهة مختلف السيناريوهات المفترضة… والتوقعات تتأرجح بين عودة «الضغوط المالية» الاميركية، وتفعيل الحصار السياسي والاعلامي، الى احتمال قيام اسرائيل بالمهمة «القذرة»… وبالتوازي مع هذه الاحتمالات هناك «ورشة عمل» داخلية على مستوى اعادة هيكلة «الجسم التنظيمي» للحزب لمواكبة المرحلة عبر استراتيجية «ترشيق» ممنهج تعيد صياغة الوحدات «الجهادية» والمؤسسات المدنية التابعة للحزب مع اعطاء الاولوية لاعادة صياغة البنية العسكرية بما يتلاءم مع وجود جبهتين مركزيتين مفتوحتين على كل الاحتمالات، الاولى في سوريا حيث باتت الهيكلية العسكرية هناك شبه منفصلة عن «الجسم» الجهادي في الجبهة الثانية على امتداد خطوط التماس مع العدو الاسرائيلي، وهو فصل تقني وليس عضويا، ومن باب تسهيل العمل اللوجستي للجبهتين، وهو يأتي في سياق توزيع اعباء المسؤوليات وليس خلق نظام لا مركزي منفصل بشكل تام لان مختلف الامور المفصلية ستبقى من مسؤولية الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله .. مع العلم ان حزب الله حافظ بشكل كبير خلال اعوام مشاركته في الحرب السورية على «نواة» القوة المعروفة «بعزيز» والمنوط بها مسؤولية الجبهة مع اسرائيل…
وبحسب تلك الاوساط، لا يستبعد الحزب اي مغامرة اسرائيلية، لكنها تبقى مغامرة محفوفة بالمخاطر ولن يكون قرارها يسيرا، اسرائيل تعرف ان اي حرب جديدة ستغير وجه المنطقة، ولذلك ستكون حساباتها معقدة وقاسية، لكن عوامل القوة لدى المقاومة كثيرة، ومنها حجم القوة النارية الهائلة، كما ونوعا، والخبرات العسكرية والامنية المكتسبة في سوريا، وكذلك امتداد الجبهة الذي لن يكون تقليديا هذه المرة… الارقام الاسرائيلية المنشورة تبقى في سياق التحليل لا المعلومات، لكن ما هو ثابت لدى الجميع ان «الخطوط الحمراء» التي كانت مرسومة لمنع المقاومة من الحصول على سلاح نوعي «كاسر للتوازن»، سقطت وتم تجاوزها مع اطلاق الرصاصة الاولى في سوريا، حيث يعرف العدو قبل الصديق ان المخازن التي كانت مقفلة في وجه الحزب فتحت على مصراعيها، وما كان محجوبا بفعل التوازنات الاقليمية والدولية بات متاحا…
ـ مناورات صامتة ـ
وفي هذا السياق تستمر على الجبهة الجنوبية عملية «فحص» متبادلة للجهوزية؟! «المناورات» الصامتة متواصلة، تشعر بها اسرائيل ولكنها غير قادرة على ادراكها، تعمل ليل نهار لفك «شيفراتها» دون جدوى، تعمل لتحسين وتنقيح المعلومات الاستخبارية، لكنها تلقت «رسالة» قاسية الاسبوع الماضي بعد فشل عودة احدى طائرات الاستطلاع الى مواقعها دون معرفة الاسباب الحقيقية لسقوطها، او «استدراجها» للسقوط؟ وكيف تمكنت المقاومة من العثور عليها بعد الفشل في تدميرها… هذا «العمى» الميداني» يفسر التسريبات الاسرائيلية حول استعدادات ميدانية لمواجهة هجوم بري من قبل حزب الله واجراء مناورات على حرب دفاعية لا هجومية، ويمكن ايضا فهم حديث احد كبار ضابط اسرائيل عن استعدادات لتوجيه ضربة استباقية لحزب الله…فهل يمكن ان تغامر اسرائيل؟؟
لا تستبعد تلك الاوساط الدبلوماسية شيئا، في عام «المقايضات» يصبح كل شيء جائزا، «ولعبة» المصالح الكبرى تتجاوز اي منطق، مجرد وضع ملف حزب الله على «الطاولة «امر خطر، اسرائيل تبحث عن تحقيق مصالحها، يعزز «احتضان» ترامب لها الكثير من المخاوف، هو طالب القادة الاسرائيليين بأن يقولوا ما الذي يريدونه من الولايات المتحدة الاميركية… الاختيار بين «الفصل والضم» في الملف الفلسطيني… ويريد منهم اجوبة عما هم قادرون على فعله لمواجهة تحدي المخاطر الخارجية؟ وما الذي يمكنهم القيام به في الميدان؟ اسئلة سيحمل اجوبتها نتايناهو ..لكن المعضلة الرئيسية الاكثر خطورة تبقى في ما قاله مارتن انديك السفير الاميركي السابق لدى اسرائيل «من الصعب معرفة ما سوف يفعله الرئيس ترامب لانني غير متاكد انه نفسه يعرف ذلك»…