يحتشد العالم الغربي بكامل قواه العسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية… في مواجهة المنطقة وأهلها، كما لم يحتشد من قبل. وإذا ما استثنينا احتشاد صيف عام ٢٠٠٦ الاستثنائي، والذي سعى هو الآخر إلى «تغيير وجه الشرق الأوسط» بحسب الأدبيات الرائجة، فإن احتشاد اليوم هو الأعظم في تاريخ المنطقة. ويرمي في أهدافه إلى ما هو أبعد وأعمق من هدف «التغيير» المنشود، الذي لم يغب عن الأجندة الغربية يوماً، بل إن ما يرمي إليه، اليوم، لا يقلّ عن محاولة الإبادة والسحق لكامل قوى المنطقة الرافضة، وبما يمهد لطيّ الصفحة المفتوحة معها منذ مطالع القرن الماضي إن لم يكن أبعد. فعملية طوفان الأقصى الزلزالية، وعلى ما تبدّى، قد عطّلت (ولم تشطب بعد) مساراً غربياً تصفوياً شاملاً كان يتقدم بتؤدة تحت عنوان التطبيع الإبراهيمي. وإلى إنجاز التعطيل يضاف إنجاز افتضاح هشاشة الكيان وزيف تفوّقه، والذي أضاء على نوعية المقاومين وصلابة قرارهم في مواجهة المشروع التصفوي الكبير. فالنيل من درة تاج المشروع وقاعدته العسكرية التي يمثلها الكيان مثّل ضربة قوية وصميمية لعواصم الهيمنة سمعت تردداتها في عواصم التطبيع وتركت أثراً لن يكون بلا تبعات. وأكد مجدداً على إمكانية القضاء التام والمبرم على كيان ما كان ليقوم ولا أن يستمر لو توفّر ربع الإرادة التي توفرت للمقاومين الذين يخوضون منفردين معركة الدفاع عن الأمة.
يحتشد العالم الغربي ومعه بعض العربي، هذه المرة، وبخلاف عام ٢٠٠٦، أمام إسرائيل لا خلفها ولا إلى جانبها. ولا أدلّ على ذلك من توزيع الأدوار المتقن وتكاملها. والذي وجد بعض ترجمته يوم ١٣ نيسان في مواجهة عملية «الوعد الصادق» الإيرانية، وهي عملية لم تهدف، في حينه، غير القول لإسرائيل وحماتها بوجود القدرة والاستعداد للذهاب نحو ما هو أكبر وأوسع.
نعم، ومن دون مجازفة، يمكن القول إنه الاحتشاد الأعظم في تاريخ المنطقة. فالغرب الذي هاله الطوفان الفلسطيني والعربي العظيم، هرع إلى نجدة كيانه المذعور بالبوارج والأساطيل التي قلّما اجتمعت في بقعة واحدة في العالم كما تجتمع اليوم في بلادنا. وكل ذلك لا لتمكين إسرائيل من النجاة على ما جرت العادة في محطات المواجهة التي تلت إعلان قيامها القيصري، بل لسحق ما عصي من قلاع مقاومة أو حصون قتال، وتالياً تأبيد استعمارهم لكامل المنطقة لأجيال وعقود قادمة. فبالنسبة إلى هذا الغرب الذي رعى وموّل وحمى هذه القاعدة المزروعة كخنجر سام في قلب المنطقة، إسرائيل هي الاستثمار الأعظم الذي لا يمكن التخلي عنه أو التفريط فيه، وهي أحد أسلحته لضمان الهيمنة والتفوق العالمييْن. لذلك فإنه سيعمل ما بوسعه ليس للحفاظ عليها وحسب، بل لتعظيم عوائد هذا الاستثمار من خلال تسييدها على المنطقة، وجعل استباحة إنسانها هو القانون الوحيد الساري، وهو ما كان على مشارف التحقق عبر المشروع الإبراهيمي الذي نجح الطوفان الفلسطيني العظيم في تعطيله، مع ما تلاه من إسناد لبناني وسوري ويمني وعراقي وإيراني.
إننا في خضمّ حرب ستطول. وعليه لا يملك أهل المنطقة بمقاومتهم وسائر قواهم من حل غير المواجهة وتصعيدها في الشكل وتزخيمها في المضمون. وهي مواجهة لا يجب أن تقتصر على التصدي لقوى العدوان المباشر، بل يجب أن تشمل، إلى الأميركي، زواحفه السعودية والإماراتية والمصرية والأردنية. فهؤلاء هم المسؤولون المباشرون عن شلالات الدم الغزير النازف في فلسطين ولبنان… ومن الضروري إفهامهم بالحديد والنار وغيرهما من الوسائل أن عليهم دفع الأثمان الباهظة.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يجدر بنا التأكيد أن لا مكان للضعف ولا مكان للتراجع، بل المزيد والمزيد من الجرأة والإقدام… الذي ستكون ثماره ونتائجه من نوع خاص وخاص جداً، وتنتمي إلى ذات الشجرة الباسقة التي روتها دماء المجاهدين وفي مقدّمهم سيّدنا الشهيد.