IMLebanon

شتّان ما بين شكر السعودية.. وسوريا

في خطابه الأخير، وبينما كان يطالب العرب والمسلمين والعالم بالوقوف لقول «كفى« للسعودية التي «دمّرت لبنان سوريا والعراق واليمن«، على حد قوله، رفع الأمين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصرالله نبرته، لدى تقديم الشكر لسوريا مجدداً، لأنها «صمدت ولن تستسلم ولم تخضع للفكر التكفيري«، متسائلاً: «أين الكنائس والمساجد في لبنان لو انتصرت القاعدة في سوريا؟».

لا تسعف الذاكرة السيّد نصرالله لتذكر مجازر النظام السوري بحق اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، ففي زمن يصدر فيه «الولي الفقيه« تكليفه الشرعي لأذرعه في المنطقة لمهاجمة السعودية والخليج والأردن وكل ومن يقف بوجه «الامبراطورية الفارسية« المزعومة، تصبح مذابح النظام السوري في زحلة وبيروت الشرقية والغربية والقرى المسيحية في عكار والشمال والبقاع وتهديمه للمساجد والكنائس وقتل المدنيين والرهبان والمشايخ، تفصيلاً من الماضي. هذا إن اعترف بها «حزب الله« ولم يقدّم لهذه المجازر تبريرات «أخلاقية ووطنية ودينية« كما يفعل في الملف السوري اليوم.

لكن لا بأس من تنشيط ذاكرة «الممانعين« ببعض الأحداث الموثقة التي شهدها لبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. اين كان تنظيم «القاعدة« في تشرين الأول من العام 1975، عندما اقتحمت قوات «الصاعقة« السورية بلدات «دير عشاش« و«بيت ملات« و«تل عباس« في الشمال اللبناني وهجرت الأهالي وأعدمت الرهبان وأحرقت الكنائس وقتلت وجرحت وأسرت العشرات؟ اين كان تنظيم «داعش« وأخواته في شهر حزيران من العام 1978، عندما هاجمت القوات السورية بلدات دير الأحمر والقاع ورأس بعلبك وجديدة الفاكهة، وقتلت وهجّرت العشرات من ابنائها؟ (نعم هي نفسها القرى المسيحية التي يعمل الجيش اللبناني اليوم على حمايتها من بعض المجموعات الإرهابية على الحدود الشرقية«. أين كان تنظيم «بوكو حرام« في نهاية حزيران من العام 1978، عندما حاولت قوات الأسد اقتحام مناطق بيروت الشرقية، حيث سقط مئات الشهداء والجرحى من «الأقليات«، كما يصفهم الأسد في إطار متاجرته بالمسيحيين؟! (بيثنة شعبان ناشدت الغرب على هامش أعمال مؤتمر جنيف حماية مسيحيي سوريا من الإرهابيين، قائلة: ألستم مسيحيين؟). أين كانت جماعة «خراسان« في 23 كانون الأول من العام 1980، أي عشية عيد ميلاد السيد المسيح، عندما انطلق هجوم القوات السورية على مدينة زحلة في البقاع الأوسط، ما أدى الى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من أبناء المدينة؟! لا بأس، كل ذلك لا يهم، فـ«الأسد نعمة من نعم الرب«، وكل ما يقوم به إنما ليحمي المنطقة من الإرهاب. 

يخرج نصرالله في خطابه الأخير ليقول ساخراً: «ماذا قدّمت مملكة الخير للبنان في الحرب الأهلية؟ الأموال والسلاح و.و..؟ الآن بلا فتح ملفات«. هنا، يعيدنا السيّد، الذي اعتاد على فتح الملفات وإقفالها في اللحظة نفسها، بالذاكرة الى خطاباته عقب عدوان تموز. يومها اتهم السيّد الرئيس فؤاد السنيورة وقوى 14 آذار بالتحريض على هذا العدوان، لكنه سرعان ما كان يقفل الموضوع بقوله الشهير: «سنكشف الملفات في الوقت المناسب«! ولا يزال اللبنانيون ينتظرون كشف تلك الملفات. وهل هناك أنسب من هذا الوقت لكشف ملفات السنيورة و14 آذار والسعودية؟!

دأب إعلام الممانعة منذ فترة، لا سيما بعد اندلاع الأزمة اليمنية، على اتهام السعودية بالتدخّل في الحرب اللبنانية (1975-1989) وبتمويل أطراف الصراع بالمال ومدّهم بالسلاح. الحقيقة، التي يعرفها نصرالله وحلفاؤه، أن نظام معمر القذافي، بالتوافق مع حليفه حافظ الأسد، هو من كان يمد الأحزاب بالأموال والسلاح. وكان يومها عبد السلام جلود (الرجل الثاني في ليبيا) مكلفاً بالملف اللبناني. فليسأل نصرالله حلفاءه ممن يسمون أنفسهم بـ«الأحزاب الوطنية«. في ذلك الوقت كانت السعودية تسعى بكل ثقلها لوقف الحرب الأهلية، مطلقة مبادرات لإجراء حوار بين الأطراف اللبنانية، وكان لها دور في ذلك في مؤتمري جنيف ولوزان وصولاً الى اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب وأنتج تسوية سياسية. 

وبعد ساعات على إطلالة نصرالله الاخيرة واتهامه السعودية بتدمير لبنان والمنطقة، اعترف الوزير السابق ميشال سماحة صراحة أمام المحكمة العسكرية، بأنه قام بنقل المتفجرات من سوريا الى لبنان لتفجيرها في عكار والشمال بهدف إحداث فتنة طائفية. ماذا لو نجح يومها مخطط مملوك-سماحة في تفجير هذه الفتنة ؟! ربما كان أطل علينا نصرالله ليطالب العرب والمسلمين والعالم بالقول «كفى« للسعودية، على اعتبار أن «داعش« و«القاعدة« هما من نفّذا اعتداءات الشمال !

وتزامناً مع اتهامات نصرالله للسعودية بـ«الإرهاب«، واعترافات ميشال سماحة بإدخال متفجرات من سوريا الى لبنان، كان الجيش اللبناني يتسلّم صواريخ واسلحة في إطار هبة الثلاثة مليارات دولار السعودية، على ان يتسلم تباعاً دفعتين أخريين من الصفقة التي تشمل 250 آلية قتالية وآليات نقل و7 مروحيات من طراز «كوغار« و3 زوارق حربية إضافة الى أجهزة مراقبة واتصال، لمحاربة التنظيمات الإرهابية التي يدّعي نصرالله بأنها صناعة سعودية. نسي نصرالله أو تناسى ما قامت به السعودية لإنجاح مؤتمرات «باريس 1 و2 و3» لدعم الاقتصاد اللبناني بمليارات الدولارات، في الوقت الذي كانت فيه إيران ترسل الى لبنان الأسلحة وأدوات الموت. نسي، أو تناسى، موقف السعودية من كل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في الاعوام 1993 و1996 و2006، حينما وقفت ديبلوماسيتها في العالم الى جانب لبنان في كل المحافل الدولية، فساهمت مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري بإنتاج اتفاق نيسان عام 1996 الذي شرّع العمل المقاوم ضد العدو الإسرائيلي. نسي نصرالله أو تناسى ما قامت به السعودية أثناء وبعد عدوان تموز عام 2006. حينها دعمت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة للتوصل الى الاتفاق الـ1701 الذي حمى الحدود اللبنانية من الغزوات الإسرائيلية المتكررة. يومها وصف الرئيس بري هذه الحكومة بـ«حكومة المقاومة الديبلوماسية«، لكن نصرالله، ولأسباب إقليمية معروفة، تنكّر لهذا القول، ووصفها بعد حين بـ«حكومة فيلتمان«. هذا فضلاً عن ما قدمته السعودية من أموال لإعادة إعمار ما هدمه العدوان في الضاحية والجنوب. نسي أو تناسى نصرالله الودائع السعودية المتكرّرة التي وُضِعت في المصرف المركزي اللبناني في أوقات مختلفة دعماً للمالية العامة ولاقتصاد لبنان. 

لا يضير السعودية والمحور العربي ما يتعرضان له من هجمات من جانب «حزب الله« ومحور الممانعة وحلفائه، لأن هؤلاء قد ارتبطوا بمشروع لا يرى من لبنان إلا امتداداً للامبراطورية الفارسية. لا يضير هذا السعودية، لكنه يضير لبنان الذي تعرّض ويتعرض بفعل هذا المحور للمآسي، ويضير اللبنانيين الذين يعملون بالآلاف، في دول الخليج العربي ويأمّنون موارد اقتصادية للبنان ولذويهم. لا شكراً لـ«سوريا الأسد« ومحوره الذي اغتال عشرات الشخصيات السياسية وصدّر الى لبنان متفجرات سماحة وغيره.