Site icon IMLebanon

هل ما يفاجئ؟!

 

لا شيء يفاجئ في الذي جرى(وسيجري) في الجرود البقاعية المتاخمة للقلمون السورية، ولا في تلك القلمون! بل ان الأمر مقروء ومنشاف سلفاً، تبعاً للمنطق الحسابي المصاحب لذهاب أي عسكر الى أرض غير أرضه.

في ذلك، قانون ثابت لا يتغير. أحكامه تسري على الضعفاء والأقوياء والمجانين والأسوياء والمكابرين والمتواضعين والواهمين والواقعيين سواء بسواء.. وهي أحكام سرت قبل الآن بكثير، في ديارنا وديار غيرنا، من فيتنام الى افغانستان ومن العراق الى جنوب لبنان.. وأدت في الواقع الى طحن جيوش جبارة وإذلال آلتها وحداثتها وتنظيمها وبأسها على أيدي بشر وضعتهم تلك الجيوش المحتلة، أو الطامعة أو الغازية أو المحررة أو الرادعة (سمّها ما شئت!) دونها في القيمة والوزن فانتهى أمرها دونهم وتحتهم بكل المقاييس.

في سياق الحروب الاستباقية وُضعت معظم الحالات المشابهة: ذهبت اميركا الى فيتنام كي تستبق سقوطها وسقوط دول جنوب شرق آسيا تحت قبضة الشيوعيين. وذهب «الجيش الاحمر» الى افغانستان كي يستبق تمدد الاسلام المتفجر في إيران اليها والى الجمهوريات الاسيوية في الامبراطورية السوفياتية العظيمة! وشنّت اسرائيل معظم حروبها بعد العام 1948 كي تستبق بناء مشاريع قوة تهددها! ودخلت الى جنوب لبنان وأقامت سياجاً حدودياً كي تستبق محاولات المسّ ببنيانها الداخلي ومستوطناتها! والخيط الرابط بين تلك «التجارب» هو اندحارها التام من دون اي التباسات او اسئلة او استطرادات او تحليلات مصابة بالعمى وتدعي بُعد النظر!

.. ذهب «حزب الله» الى سوريا تحت عناوين شتى، لكنها كلها كانت من النوع الاستباقي اياه: منعاً للتعرض للبنانيين يعيشون في الداخل السوري. منعاً للتعرض للمقامات الدينية. منعاً لوصول الارهاب الى لبنان. منعاً لسقوط رفّ سوريا من خزانة الممانعة. منعاً لمحاصرة المقاومة وقطع خطوط تواصلها وامداداتها.. منعاً لسقوط النظام في دمشق. وفي الاجمال، شيء واحد غطّى كل تلك الشعارات، لكنه لم يُقل بالفم الملآن: منعاً لسقوط النظام الفئوي تحت وطأة رفض الأكثرية السورية لبقائه واستمراره!

وفي النتيجة، سقط «حزب الله» في الفخ، وصارت له فيتنامه الخاصة به. بل من سخرية القدر، ان يجد نفسه في مواجهة حالات شبيهة تماماً بحالته عندما كان يقاتل جيش الاحتلال في جنوب لبنان على مدى عقدين من الزمن!

التشبيه في الشكل بالنسبة اليه قد يكون ظالماً، لكنه هو الذي لم ينتبه منذ اللحظات الاولى لتورطه الكارثي في سوريا، الى ان المضمون عند الآخرين واحد. لا فرق أكان «المحتل» قريباً أم بعيداً، عدواً في الهوية ام عدواً في الهوى السياسي. وهو، «حزب الله» في عُرف المعارضين السوريين، «عدو» اولاً و«محتل» ثانياً وجاء الى ارض ليست له، ويتدخل في معركة اكبر منه. ويتورط في مذبحة فظيعة، «عفت نفوس» دول عظمى عن الاقتراب منها! بل هي عندما اقتربت أخيراً، آثرت ان يكون «اقترابها» على علو 10 آلاف متر فوق سطح الارض!

أسوأ وأنحس ما في هذه الكارثة هو ان «حزب الله» يظن نفسه في الاجمال، أكبر منها! تماماً مثلما فعل أباطرة الحروب الاستباقية في الزمن الحديث، ومن فيتنام الى افغانستان الى جنوب لبنان.