في خضمّ «زوبعة» النقد الباريسية لزيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان التي لم تتوقف بعد، وذلك من باب أنها لم تحمل أيّ أهداف حقيقية، أُعلِن عن زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت للبنان في 27 الجاري.
ينقل لبنانيون عن أوساط الإليزيه أنّه من حيث المبدأ، تشكل زيارة إيرولت استتباعاً لزيارة هولاند التي كانت ركزت على هدفين: اولهما رغبة الاليزيه بإظهار أنّ فرنسا لها تأثير في منطقة المشرق، علماً أنّ لبنان هو موطئ القدم شبه الأخير لباريس في المشرق. والثاني يتعلق بالنازحين السوريين والعمل على تثبيت إقامتهم في دول جوار سوريا لضمان عدم تسرّبهم الى اوروبا.
منذ ايام، عقد في باريس «لقاء تحضيري» على مستوى خبراء تمهيداً للاجتماع الذي تعتزم الدول المانحة عقده في فرنسا في ٢٧ الشهر الجاري وفقاً لما أعلنه هولاند في بيروت.
ويلي «لقاء الخبراء التحضيري»، لقاء آخر مماثل سيعقد بعد أيام في بريطانيا ويتوقع التكتم على نتائجه، أسوة بما حدث بالنسبة الى نتائج «لقاء الخبراء في باريس»، ولكن في المقابل يتوقع أن يحمل إيرولت في جعبته الى بيروت أبرز توصيات هذين اللقاءين، لتسويقها لدى الحكومات المعنية مباشرة بإغاثة اللاجئين، ومن بينها لبنان. ومن اللافت أنّ زيارة إيرولت لبيروت تأتي في 27 الجاري، أي اليوم نفسه الذي سينعقد فيه مؤتمر الدول المانحة في باريس.
وتُجمع المصادر الباريسية المعنية برصد حركة فرنسا تجاه لبنان، على أنّ إيرولت سيناقش في بيروت ملف النازحين السوريين، انطلاقاً من احدث رؤية لهذا الملف لدى المجتمع الدولي، وذلك كما بلورها لقاءا باريس ولندن للدول المانحة المنعقدان على مستوى الخبراء.
اما الملف الثاني المنتظر أن يثيره إيرولت في بيروت، فيتعلق بإمكان أن يكون هولاند كلّفه محاولة تصحيح فشل عدم لقائه برئيس كتلة «حزب الله» في البرلمان اللبناني النائب محمد رعد خلال زيارته الاخيرة لبيروت.
وتنقل هذه المصادر معلومات لـ»الجمهورية» مفادها أنّ همساً دار في اوساط الإليزيه إثر زيارة هولاند للبنان، حول السبب الحقيقي الذي أدى الى نسف لقاء هولاند – رعد. وتعزو تسريبات الاليزيه السبب الى أنّ دائرة البرتوكول في الرئاسة الفرنسية اكتشفت في لحظة متأخرة من بدء الزيارة أنّ من غير المناسب برتوكولياً أن يتحادث رئيس الدولة الفرنسية مع رئيس كتلة نيابية.
لكنّ مصادر فرنسية موازية تفيد أنّ اللقاء كان مقرراً فعلاً؛ وأنّ الجهة التي طلبته هي باريس وذلك قبل فترة من وصول هولاند الى بيروت. وما حدث هو أنّ «جهة ما» سرّبت قبل أيام من بدء الزيارة الرئاسية الفرنسية الى لبنان، خبراً عنه للإعلام، ما جعل دولاً لديها علاقات وازنة مع باريس، تتدخل من اجل منع عقده. وركّز هذا الاعتراض على استهجان أن يلتقي الرئيس الفرنسي «حزب الله»، في لحظة يُبذل فيها جهد عربي ودولي منسّق ضده لعزله وإضعافه.
ويتكهّن بعض المصادر الباريسية بأنّ هولاند قد يكون لا يزال معنياً بإجراء تواصل فرنسي مع الحزب، وعليه فهو يجد أنّ إيرولت هو الانسب لإجرائه، نظراً لأنه من موقعه كوزير للخارجية سيكون متحرّراً من مواجهة إحراج بروتوكولي في حال التقى وفداً من «حزب الله» يضمّ رئيس كتلته النيابية ومسؤول العلاقات الخارجية فيه.
والسؤال الذي تبحث مصادر لبنانية في باريس عن إجابة له، هو السبب الذي يدعو باريس في هذه اللحظة إلى إجراء تواصل مباشر مع الحزب على مستوى اعلى من سفارتها في بيروت، علماً أنّ الأخيرة بحسب جهات مطلعة تحافظ منذ سنوات عدة على قناة اتصال دورية مع حارة حريك.
وفي تفاصيلها أنه منذ ما بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان عام ٢٠٠٦ وحتى الآن، حافظت الأطقم الديبلوماسية التي تناوبت على تشغيل السفارة الفرنسية في بيروت، على اللقاء الدوري بالحزب عبر شخص مسؤول العلاقات الدولية فيه والنائب السابق عمار الموسوي.
ووفق هذه الجهات، فإنّه ومنذ انتشار قوات «اليونيفيل» (التي تتمتع باريس بالثقل العسكري الاكبر فيها) في الجنوب عام ٢٠٠٦، فإنّ الخارجية الفرنسية عبر سفارتها في بيروت اهتمّت بعدم قطع صلة التواصل مع «حزب الله»، تحت مبرّر أنّ ذلك يقدّم ضماناً اضافياً لأمن جنودها ضمن «اليونيفيل»، كون الحزب يُعتبر شريكاً ميدانياً لها في منطقة عمليات القرار ١٧٠١.
وربما كانت باريس، بحسب مراقبين متابعين لأمن «اليونيفيل»، ترى أنّ هناك حاجة في هذه المرحلة لرفع درجة التواصل مع الحزب. والسبب يعود لوجود تكهّنات أوروبية مستجدّة تعتقد بأنّ المسار الحالي للأحداث في لبنان قد يصل الى نقطة من التوتر تُهدّد بتعرّض «اليونيفيل» لاعتداءات تشبه تلك التي كانت استهدفتها في ظلّ ظروف توترات سياسية لبنانية داخلية وإقليمية سابقة ومشابهة لما يحدث الآن.
الى ذلك، تلفت هذه المصادر الى إمكان أن يكون إيرولت معنياً بجسّ النبض حول ملف رئاسة الجمهورية وذلك انطلاقاً من مبادرة لبكركي تمت مناقشتها مع هولاند خلال زيارته لبيروت. وثمّة مصادر لبنانية قريبة من باريس تؤكّد أنّ هولاند اطّلع فعلاً خلال وجوده في بيروت على أفكار معيّنة حول رئاسة الجمهورية.
وتفصّل قائلة: إنّ ما سمعه هولاند كان عبارة عن «فكرة مركبة» تقترح من جانب انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ومن جانب آخر أن يتمّ في الوقت نفسه، الاتفاق معه «ضمنياً ومن تحت الطاولة» على مغادرة قصر بعبدا بعد عامين من بدء ولايته.
ولكنّ هولاند لم يعتبر هذا الاقتراح نهائياً، خصوصاً أنّ تقدير جدواه كما قدمته إليه بيئة من الشخصيات اللبنانية التي تهتمّ باريس برأيها، ركّز على إبداء شكوكه حول «قدرة البلد على هضم أو تقبّل إقتراح كهذا».
وتشكّك هذه البيئة عينها في أن تكون إعادة إحياء هذا الاقتراح ضمن مهمة زيارة إيرولت لبيروت، لأنّ باريس لو كانت تريد ذلك فعلاً، لكانت أخّرت زيارة وزير خارجيتها ليُتاح إعطاء هذا الاقتراح مدة أطول لتنضج ظروفه قبل أن تعاود طرحه أو التعامل سياسياً معه.
وترى أنّ ايرولت يأتي الى لبنان ودول اخرى في المنطقة لمتابعة جسّ النبض حول ملفات تهمّ باريس؛ وأبرزها:
١- النازحون السوريون، وذلك خلال انعقاد مؤتمر الدول المانحة في باريس (قد يتأخر اياماً عدة عن موعد ٢٧ الجاري حسب بعض المصادر)؛
٢- الأزمة السورية، حيث دعت باريس قبل ايام الى لقاء إقليمي ودولي على مستوى وزراء خارجية في فرنسا، ودعت اليه السعوديين والاتراك والإماراتيين وأيضاً المانيا وبريطانيا. اضف الى ذلك استشراف إمكانية امتلاك دور في تحريك التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية. وتجدر الإشارة الى أنّ فرنسا وجّهت دعوة لأطراف معنيّة بهذا الملف الى لقاء في باريس، لكنّ تل ابيب رفضتها.
يبقى أنّ هناك امراً آخر قد يكون إيرولت مهتماً بالعمل على إنتاجه وراء الكواليس ويتعلق بعقد مؤتمر دولي من اجل لبنان، ولكنّ هذا التوجّه لا يزال يواجه تعقيدات اكثر من عادية وتحذّر من تداعيات له على استقرار البلد.