ليس في مجلس الوزراء من يمكنه القول ان أزمة النفايات فاجأته ودهمت الحكومة والادارة والبلديات والناس على غير انتظار. ولا من يستطيع إقناع عاقل بأن ممارسة المجلس لصلاحيات رئيس الجمهورية وكالة هي لغز دستوري ندور حوله بمعارك سياسية يومية بدل فكّه بخطوة عملية هي انتخاب رئيس. فالكل كان يعرف سلفاً ما على الطريق: الموعد المحدّد لإغلاق مطمر الناعمة، معركة دفتر الشروط لتلزيم النفايات، صراع المصالح المادية المحمية سياسياً، خفايا فشل المناقصات، وحجم المخاطر البيئية لتراكم النفايات. غير اننا ذهبنا بعيون مفتوحة الى الأزمة ونحن ندرك الخيار أمامنا: إما الرضوخ لمصالح الأقوياء وشركائهم وإما القول لكل رئيس بلدية: دبّر راسك.
والكل رأى على مدى عام كيف مارس مجلس الوزراء صلاحيات الرئيس، بعد جلسات عدة في البدء للتفاهم على ما سمّي آلية القرار. فالتصرّف عملياً خضع لصراعات السلطة حيث يجب وللمحاصصة حيث يمكن. بعض القرارات جاء بيسر وسهولة. وبعضها الآخر جاء بالألم مثل قلع الأضراس. وما أكثر القرارات التي تعذر التوصل اليها برغم ضرورتها وأهمية القضايا التي تعالجها.
ولا أحد يعرف الحصيلة المفترضة لمعاودة البحث في الآلية. فلا معادلة كل وزير رئيس تحل الامور بمقدار ما تزيدها تعقيدا. ولا ترك اللعبة للاستنساب من دون ضوابط سوى وصفة للتسلط. والمشكلة ليست في الآلية بل في كون آلة السلطة معطلة. وليس في اية آلية، مهما تكن، حل لأزمة الشغور الرئاسي.
ذلك ان الحلول الموقتة ممكنة في النهاية لأزمة النفايات وازمة الآلية. لكن السؤال هو: ماذا عن النفايات السياسية؟ من يكنس ويجمع ويطمر النفايات السياسية المتراكمة؟ وكيف يستطيع لبنان، وسط مخاطر الارهاب وتفتيت بلدان المنطقة والنزول من العروبة كهوية قومية ومن المواطنة كهوية وطنية الى هويات العصبيات الطائفية والمذهبية والاتنية، مواجهة هذه الاخطار ما دامت النفايات السياسية تتراكم فوقه من دون حل حتى على المدى المتوسط؟
الواقع ان رائحة المناخ السياسي ليست افضل من رائحة النفايات. فلا ما تراكم من سياسات رديئة على مدى عقود سوى نفايات سياسية. ولا الاندفاع في سياسة العصبيات سوى توظيف في مناخ النفايات. ولا ما يليق بعدد لا بأس به من الهواة والمحترفين والمهرجين ضمن التركيبة السياسية سوى وضعهم في خانة النفايات السياسية، والأخطر هو اننا بين اثنين: من ينكر انه يشم رائحة النفايات السياسية بحيث يعمل لها، ومن يصرخ من الرائحة لكنه محكوم بالعيش معها كقدر يفرضه نظام المصالح الداخلية والخارجية.