مع انحسار التطورات الداخلية لصالح ما يجري اقليميا في اسطنبول، وبانتظار الرئيس الفرنسي الذي يصل السبت الى بيروت ، بقيت العين الامنية موجهة نحو المخيمات، من خلال استمرار التحقيقات في مقتل العقيد الفتحاوي، فتحي زيدان، او من خلال ما قيل عن «وثيقة أمنية» تحدثت عن دخول اربعة انتحاريين الى مخيم برج البراجنة تابعين لـ«النصرة»، الامر الذي تنفيه مصادر معنية سائلة عن مدى «رسمية» الوثيقة والجهة الموقعة وتلك الموجهة اليها، وان كانت اكدت ان اي معلومة تؤخذ على محمل الجد ويجري التعامل معها بدقة .
وفيما تتسارع التحقيقات بالتعاون بين الجهات اللبنانية والفلسطينية، اشارت مصادر مشاركة في التحقيق اللبناني – الفلسطيني المشترك، الى ان العملية التي تمّت خارج مخيم عين الحلوة على بعد أمتار من حاجز الجيش وحيث نقطات مراقبة بالكاميرات مما يسهل الاطلاع على التفاصيل الدقيقة، تركز على وضع تصور واضح يرتكز الى:
– بات من شبه المؤكد أن «التفخيخ» المتقن والمحترف للسيارة تم خارج مخيم المية ومية، اثناء ركنها امام مقر الاجتماع الامني الذي يحضره،علما ان الوقت الذي قضاه في هذا المكان استمر من الساعة العاشرة والثلث وحتى الثانية بعد الظهر، ذلك انه من الصعوبة تفخيخها امام منزله بسبب وجود حراسه، الا اذا كان هناك اختراق لاجراءاته الامنية،خاصة انه أحاط نفسه باجراءات احترازية منها حماية مكان ركن سيارته امام منزله في مخيم المية المية القريب من مكتبه، ونصب كاميرات مراقبة في المنطقة.
-التركيز على معرفة من عطل الكاميرا الموضوعة قرب مكان الاجتماع والتي تبين ان «الدي.في.آر» التابع لها غير مربوط بجهاز تلفزيون، ما يعزز فرضية وضع العبوة في هذا المكان.
– تحليل داتا الاتصالات العائدة للخط الخليوي الذي يستعمله زيدان خاصة انه كان على اتصال مباشر طوال اليوم بعدد من قيادات فتح، وان حركته كانت «مكشوفة».
– سلوك العقيد زيدان يوم التفجير طريق مستديرة الاميركان للوصول الى عين الحلوة، خلافا للعادة حيث درج على استخدام طريق الفيلات، المقفلة بسبب توسيعها امام جامع الامام علي بن ابي طالب.
– مراجعة كاميرات المراقبة لتحديد ما اذا كان مراقبا ومتابعا، خاصة ان عملية التفجير تمت لاسلكيا، ما يعني تواجد من نفذها في مكان الانفجار، او في مكان كاشف يسمح له برؤية ساحة الجريمة.
– تحديد مصدر المتفجرات وما اذا كانت اخرجت من المخيمات ام تم احضارها من مكان آخر.
– تزامن التفجير لاسلكيا مع تحليق طائرة اسرائيلية من دون طيار في سماء المنطقة.
وتعتبر المصادر انه من الصعب على الجهات الاصولية التحرك بحرية في هذا المكان ذلك ان اشخاص تلك المجموعات معروفة بالاسم وخروجها من عين الحلوة صعب،كما ان تحريكها لاحدى الخلايا النائمة في صيدا امر غير سهل تحت وطاة الاجراءات الامنية المتخذة ،ولان الهدف ليس بحجم كشف خلية قد تقود الى تدحرج مجموعات اخرى، ما يسمح باستبعاد فرضية وقوف تلك المجموعات خلف العملية.
اوساط سياسية فلسطينية اكدت ان التعليمات الصادرة عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ،تقضي بالتعاون الكامل مع الاجهزة الامنية اللبنانية، خاصة ان العملية تمت خارج المخيمات، وتقديم كل الدعم والمؤازرة المطلوبة سواء لجهة توقيف مشتبه بهم او على صعيد المساعدة في جمع المعلومات، مستبعدة بدورها وقوف جهات اسلامية وراء العملية، نتيجة اتفاق «الجنتلمن» القائم بين فتح والاصوليين وقضى باعتبار تصفية القيادات من الفربقين خطا أحمر، غامزة من قناة الصراع على القرار السياسي والأمني في «حركة فتح» ، والاتهامات الاخيرة التي ساقها «اللينو» متهما الحركة باغتيال مقربين منه، خاتمة بانه حين يغتال أحد بمستوى «زورو» ولا احد يتحرّك للردّ على الأصوليين فهذا يعني ان الشخص معروف لدى الفصائل الفلسطينية.
واذا كان لا ينقص الملف الامني الفلسطيني غموضا، فان عشرات الاسئلة المطروحة حول اهداف العملية الاخيرة تزيده تعقيدا و«تشربكاش. هل هي رسالة من «داعش» بقيادة هلال هلال الساعي الى التمدد في عين الحلوة؟ ام مرتبطة بصراع النفوذ والخلافات داخل المية ومية؟ ام هو تشابك مصالح اقليمي – دولي عشية التسويات في المنطقة يسعى الى خلط الاوراق وارساء توازنات جديدة داخل المخيمات تسهيلا لتمرير صفقات معينة؟
في الفرضيات ثمة اكثر من لغز يحيط بالعملية تقول الاوساط، لعل ابرزها لماذا لم يتم التفجير خلال اجتماعه بقيادات فتح في عين الحلوة ، طالما ان السيارة كان سبق وفخخت؟ولماذا تفجيرها عند دوار الاميركان؟ بحسب المصادر يبدو واضحا ان الجهة المنفذة ارادت ايصال رسالة واضحة تستهدف البيئة اللبنانية الحاضنة للمخيمات، والتأكيد على قدرتها على اختراق امن المدينة، اولا كون المنطقة قريبة من ثكنة محمد زغيب، من جهة، وعند مدخل المخيمات، من جهة ثانية، حيث يفترض ان تكون الاجراءات الامنية والمراقبة مشددة.
اشارة الى ان مخيّم المية ومية محكوم من ثلاث فصائل قوية: «انصار الله» التي تسيطر على كامل المخيم الذي يعتبر معقلها الوحيد، «حركة فتح»، اضافة الى «حركة حماس» وقوى مشرذمة اخرى تنتمي الى تيارات سلفية متشددة بدأ حضورها ينمو في المخيم اخيراً وثقافتها تشبه ثقافة «جبهة النصرة» والجماعات الارهابية والتكفيرية، ما يعني منطقيا ان هدف الاغتيال اضعاف فتح تمهيدا لازاحتها من المخيم والسيطرة عليه.
في كل الاحوال تعتبر بعض المصادر المراقبة ان جزءا من تلك القطبة المخفية يمكن ان تكون في الزيارة التي قام بها قائد الامن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابو عرب الى مقر «حركة انصار الله» في المية ومية ولقائه امينها العام جمال سليمان المنشق عن «فتح» والمتهم بقربه من محور الممانعة، بناء لطلب الاخير الذي ارسل وفداً من قبله طالبا من ابو عرب التوجه الى المية ومية للبحث في قضية الاغتيال، للتشاور في قضية زيدان، رغم انه ممثل في اللجنة الامنية الفلسطينية عبر مسؤول الحركة العسكري ابراهيم ابو السمك، حيث تكشف المصادر ان مداولات اللقاء بقيت سرية.