هل بدأت مفاعيل الإتفاق النووي المتعلق بإيران، بتفكيك طلاسمها المتمثلة بالخفايا والخبايا الحقيقية والواقعية لهذا الإتفاق، خاصة وأن كثيرا من المستجدات والمؤشرات باتت واضحة البروز في مسالك الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، وهو بروز ما زال في بعض مواقعه ومواقفه، متخفيا وخجولا، في بعضها الآخر، واضحا وجليا يعلن عن نفسه من خلال تصريحات وتصرفات كبار المسؤولين الإقليميين والدوليين، وبات كثيرون من المراقبين والمتابعين السياسيين، يبنون عليه، جملة من التوقعات والإستنتاجات، وصولا في ذلك إلى تحديد شبه دقيق، لجملة من التطورات الملموسة التي باتوا يستنتجون منها بعضا من معالم المستجدات المقبلة، ولعل زيارة وزير خارجية إيران إلى جملة من العواصم العربية والدولية تصب في هذا النطاق الذي تتكاثر حيويته ومداه والإهتمامات المتزايدة بشأنه على مدى الساحة السياسية والدبلوماسية الإقليمية والدولية.
مما لا شك فيه أن عاصفة الحزم التي أطلقتها المملكة العربية السعودية مدعومة بالحلف العربي – الخليجي، قد كانت منطلقا إنقلابيا في سياسة المملكة وحلفائها، وفي قلب الطاولات التي وضعت عليها المخططات الأميركية خصوصا والغربية عموما، وكانت من خلالها تضع العالم العربي بأسره خارج خرائط الإهتمام والمعالجة ، فلبث التخطيط والتنسيق شاملا لإيران وحدها ومتجاهلا بقية أنحاء المنطقة، ومحاولا فرض أمر واقع على دولها، لتمرير المصالح الأميركية والإيرانية دون أي احتساب جدي للمصالح العربية التي باتت في مواجهة محتملة لأخطار وجودية محدقة بها من أكثر من جانب. وجاءت عاصفة الحزم، لتقلب الأوضاع تدريجيا رأسا على عقب، وانقلبت الأوضاع في اليمن، في محافظات عدن وتعز وعدد آخر من المحافظات، لتقوم القوى اليمنية المدعومة بطيران القوات الحليفة بشتى أنواع الدعم العسكري والتنظيمي والإنساني، ولتحرز جملة من الإنتصارات النوعية المتمادية، وما زال استمرارها في التقدم يضيف إلى بدايات المؤشرات التحولية مزيدا من النقاط، يضاف إليها، ذلك الحراك القائم في هذه الأيام بخصوص سوريا وبشأن المفاوضات الدائرة حول الشأن السوري المأسوي، سواء في إمارة عُمان أم في الدوحة أم في موسكو أم في واشنطن، وجميعها تتناول الوضع السوري من خلال اهتمامات وطروحات مستجدة، انطلقت من نقاط قديمة مدخلة عليها بعض التعديلات والإضافة العملية، وكانت زيارة الضابط السوري علي المملوك إلى السعودية، إضافة معبرة للمستجدات القائمة التي حاول النظام السوري تحوير وقائعها وحقيقتها، وقد أوضحت هذه الجريدة من خلال نشرها تصريحات لإعلامي سعودي رفيع المستوى، حقيقة هذه الزيارة التي مهدت لها موسكو وشهدت مدينة جدة في السعودية أحداثها ونتائجها التي عرّت النظام السوري من تذرعاته ومحاولاته قلب الحقائق والوقائع والإستفادة من جملة من الألاعيب والأكاذيب التي اعتاد على القيام بها كلما اشتدت من حوله الضغوطات والمتاعب الوجودية، مستعينا في مجابهتها بشتى السبل المراوغة، مستعينا بنصيريه موسكو وطهران. واذا كانت « اللواء» قد أوضحت بالكامل حقيقة ما تم في جدة، فإن ما يهمنا مما حصل هناك، إبراز الحراك الروسي المستجد، والتنسيق الحاصل حديثا بهذا الخصوص ما بين موسكو وواشنطن، وصولا في ذلك إلى الأقوال الروسية المسربة من أكثر من موقع والموجهة إلى أكثر من اتجاه، والتي تشير، بما يعاكس التصريحات الروسية العلنية، إلى أن موسكو لم تعد متشبثة بالأسد كجزء من حل سوري مقبل، ووصولا في ذلك إلى تصريح محدد وواضح صادر عن الرئيس أوباما يستنتج منه أن هناك تنسيقا مستجدا حول الوضع السوري القائم حاليا بين موسكو وواشنطن، تضاف إليه تأكيدات أميركية جديدة تذهب بتصريح شديد الوضوح بأن الأسد لا يمكن أن يكون جزءا من أي حل مقبل، مع الأخذ بعين الإعتبار أن أقوال ومواقف الرئيس أوباما قابلة للبلع والتغيير في أي وقت وفقا لما اعتدنا من مواقفه المهتزة، نضيف إلى ذلك تأكيدا خاصا على أهمية، المستجدات الحاصلة في تركيا ودخولها المباشر في معالجة ومجابهة أوضاع الأزمة السورية سواء كان ذلك من خلال قرار فرض وجود مساحات آمنة على الأرض السورية لحمايتها بالطيران وبالتدخل العسكري أم من خلال ما أعلن عن محاربة الإرهاب الداعشي للتخلص منه ومن ثم التوجه والتركيز على النظام السوري وتحقيق الأمنية التركية بالتخلص منه ومن ارتباطاته التي ذهبت بعيدا جدا وصولا إلى الأرض والتبعية الإيرانية الكاملة.
من خلال ما ذكرناه، ومن خلال نظرة واسعة الأفق حول أحداث المنطقة التي طرأت عليها منذ الغزو الأميركي للعراق، وتحول الأوضاع هناك إلى ما اعتبره البعض تسليما من الأميركين للعراق إلى حكم الملالي الإيرانيين، بعد عملية حل الجيش العراقي ومعه حلت واقعيا الدولة العراقية وسلمت إلى حكم الميليشيات والرعاية الإيرانية التي اغرقت هذا البلد العربي في جملة من التناقضات الداخلية في أوضاع إقتصادية نهشها الفساد وغمرتها السرقات الموصوفة، وأوقعتها على الأرض فريسة للفقر والتخلف المريع، بحيث أضحى العراق كله دون ماء ولا كهرباء، مما ادى إلى إستيلاء داعش على اماكن واسعة من البلاد كرست نوعا من التقسيم المناطقي الذي استغل طغيان فئة على فئة، فإذ بالعراق يغرق ولأول مرة، في مظاهرات حاشدة، متعددة الجهات والفئات، تطالب بمحاسبة من سرقوا البلاد، فجردوها من ثرواتها الضخمة ونقلوها تحت جنح الظلام، وظلم الإحتلال الأميركي حيث أصبحت مودعة في حسابات شخصية في مصارف العالم كله، ويعيش العراق اليوم نوعا من الإنتفاضة الشعبية والنيابية والحكومية الشاملة التي يتوقع البعض أن تعيده إلى جديد ومزيد من التوحد الوطني وتخرجه من المزالق والمتاهات المذهبية والطائفية.
وعليه، اذا ما دققنا في «مكاسب» إيران المزعومة في دول الوطن العربي، لوجدنا أنها تجسدت في جملة من الأحلام والمطامع الإيرانية لاستعادة وجودها « الإمبراطوري»، ورغم أن الإتفاق النووي قد وفر لها في حال تحققه نهائيا، جملة من المكاسب المادية التي سريعا ما سيتبين لها أنها ستُستنفد، خاصة في استعادة أركان حياتها الإقتصادية والتحول إلى معالجة مشاكلها الإجتماعية الحادة والتركيز على مكاسبها من خلال ما وفره لها الإتفاق من عودة للإنتماء إلى المجتمع الدولي الذي سيقبلها دون شك، كدولة راضخة لقواعده وأسسه ومتقيدة بقوانينه ومستلزمات الإنتماء إليه، وسيرفضها دون شك، ويعيد فرض عقوباته عليها، إذا ما تشبثت بمسيرتها الثورجية الحالية وبسياسة تصدير الثورات إلى المنطقة لتحقيق حلم امبراطوري مرفوض ومحارب في إطاراته الخطيرة التي تهدد السلم الإقليمي والعالمي بأفدح الأخطار والأضرار.
وعليه، إن العالم والمؤشرات التي تصدر حاليا من نقاط التأثير الدولي والسياسات القريبة والبعيدة، إذ تشير إلى مكاسب إيرانية كبيرة، إلا أنها تدل بشكل واضح على أن اندفاعات إيران إلى أنحاء هذه المنطقة من العالم ستكون بالنهاية غير قابلة للإستمرار والتمركز الخارجي المتفلت من كل الضوابط والقيود.
المحامي محمد أمين الداعوق