أغرقنا الغبار الصحراوي الوافد فوق طبقات الغبار الداخلي المتصاعد من انفجار الأزمة الاجتماعية إلى حدود بالكاد بتنا معها نرى أبعد من انوفنا في ما يعني لبنان مباشرة في احدى اكبر المآسي الانسانية التي يشهدها العالم من خلال مآسي الهجرة إلى الغرب. ونقول لبنان لاننا نقف الآن بذهول أمام الجانب الخلفي من هجرة اللاجئين السوريين والعراقيين إلى أوروبا تحديداً التي اشعلت في حنايا القارة العتيقة اضطراباً غير مسبوق لدى المجتمعات الأوروبية وحكوماتها وبرلماناتها ومنابرها الاعلامية والصحافية بازاء تدفق عشرات ألوف اللاجئين إلى بعض دولها، وهو رقم لا يرف له جفن في لبنان ولم يعد يثير أي انفعال.
اياً تكن التقويمات الرائجة في العالم العربي ولبنان منه حيال السياسات الأوروبية التي تعاملت مع موجات المهاجرين اللاجئين إلى أوروبا لا يمكن التنكر لصعود المنحى الانساني معياراً أساسياً في تلقف هؤلاء الذين حوصروا بالابادة والرعب والفقر إلى حدود المغامرة انتحاراً على دروب الهروب الكبير إلى المهاجر الأوروبية. ولكن حتى مع وقائع الجغرافيا والأمن والمصالح التي تملي على أوروبا التكيف الانساني الواسع مع موجات اللاجئين ترانا نتساءل بعد سنتين تماماً من إنشاء مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان وانعقاد ثلاثة مؤتمرات دولية على الأقل لتخفيف اعباء اثقال اللاجئين عن دول المحيط المحتضنة للاعداد الكبرى من اللاجئين السوريين لماذا ترك لبنان دون معين كاف إلا ما ندر منه لتحمل عبء مليون ونصف المليون لاجئ؟ بلد الـ10452 كيلومتراً مربعاً ( دون احتساب بضعة كيلومترات اضافية زادها ردم البحر ) يحتضن هذا العدد المرشح دوماً للزيادة حتى بفعل الولادات وحدها ولم يثر يوماً ذعراً لدى احد فيما اشتعل الذعر الكوني حين بدأت المأساة تتمدد إلى الغرب مع عشرات الألوف ولو مع بضع مئات الألوف. ربما لا ينبغي التنكر لخشية بديهية مشروعة لدى الأوروبيين من تداعيات موضوعية على مجتمعاتهم ومع ذلك تجاوزت حكومات جريئة في المانيا وفرنسا مثلاً هذه المخاوف وقدمت العامل الانساني على ما عداه. ومع ذلك ترانا نشعر بوحشة حقيقية لدى مراجعة واقع لبنان الذي تفوق على دول العرب والغرب قاطبة، يليه الأردن، لا في انسانية الاستضافة المفتوحة لمليون ونصف مليون لاجئ سوري فحسب بل أيضاً لعدم تمنينه هؤلاء الضيوف الضحايا بهذا القرار وقت بات هو أيضاً الضحية الأكبر للجوء السوري. والحال ان في لبنان الغارق اليوم في اشرس أزماته الاجتماعية والاقتصادية تبرز احدى المعالم المضيئة التي سقطت معها كل عنصرية وشوفينية لبنانية فيما لا حاجة إلى أي شرح حيال الأخطار الكيانية التي تتهدده جراء هذه الأزمة التي جعلته احد البلدان الأكثر رزوحاً تحت خطر اللجوء مثلما هو البلد الأكبر مديونية. فأين أولئك المتحضرون من مأساته؟