IMLebanon

ماذا عن احتمالات ما بعد “تحرير” جرود القلمون؟ الحزب يتصرّف على أساس أنه أنجز جملة أهداف

خلال الساعات القليلة الماضية انتقلت القوى والجهات المعنية بمعركة جرود القلمون الى سبر أغوار مرحلة ما بعد السقوط الوشيك لهذه المنطقة الوعرة القصية في يد “حزب الله” والجيش السوري واحتمالاتها المفتوحة.

لا تخفي مصادر أن الحزب يتصرف على أساس أن 75 في المئة من أهداف هذه المعركة قد تحقق، إذ نجح المهاجمون في سرعة قياسية في تحرير جردين من أصل 4 جرود أساسية في هذه المنطقة هما جرد عسال الورد وجرد الجبة، وباتت المهمة الآن تحرير الجردين المتبقيين وهما التلال الحاكمة وجرد فليطا وفيه تلة موسى الاستراتيجية التي يحتمل أن المسلحين يعدّونها لتكون ميدان “أم المعارك”.

في العادة يحمل الميدان عنصر المفاجأة، لكن الحزب صار على يقين من أن أمر تنظيف الجردين المتبقيين لم يعد بعيداً، وهذا الاستنتاج توصل إليه بعد عملية تقويم أجرتها قيادته الميدانية المعنية لمجريات الأيام الخمسة الماضية حيث كان التقدم قياسياً بمقدار ما كان تراجع الجماعات المسلحة سريعاً مما خالف توقعات الحزب والوقت المفترض الذي حدده لبلوغ الهدف النهائي.

وهذا الواقع ناشئ في رأي المعنيين عن أمرين: أولهما أن الحرب النفسية التي مارسها الحزب قبيل فترة من انطلاق المعركة قد أعطت ثمارها فكسب نصف المعركة قبل أن تبدأ. وثانيهما ان الحزب وجد أمامه في القلمون مجموعات سبق لها أن هُزمت ثلاث مرات متتالية على يد قواته في القصير ثم في ريف حمص وأخيراً في بلدات القلمون، وهي بالتالي على علم بقدرات الحزب القتالية وباستعداده للإقدام وبلوغ ما يضعه من أهداف.

وانطلاقاً من ذلك فإن الحزب يتصرف على أساس أنه أنجز في جرود القلمون في سرعة قياسية وبأقل قدر من الخسائر جملة أهداف كبرى أبرزها:

– أنه استكمل ما بدأه في معركة القصير قبل أكثر من عامين وحصّن إنجازاته المتتالية.

– أنها جزء من المعركة التي بدأها في ريف القنيطرة بغية منع الاسرائيليين من الدخول على خط الأزمة في سوريا، خصوصاً أن هناك من يعتبر القلمون امتداداً لجبل الشيخ وريف القنيطرة ولخط درعا – ريف دمشق.

– أنها رد على التهويل والترهيب اللذين مارستهما إسرائيل وقوى أخرى محلية وإقليمية عشية بدء حملة الحزب على القلمون وذلك بهدف كبح جماحه عن المضي قدماً في المعركة واعتبارها مدخلاً لمعادلات جديدة.

– ان معركة القلمون لها صلة مباشرة بفصل المنطقة عن الزبداني وعن جزء من ريف دمشق وغوطتها.

– ان المعركة ستفضي عاجلاً أم آجلاً الى تحصين الداخل اللبناني عن مجريات الأحداث في الميدان السوري وتمنع على المسلحين أي إمكان لمفاجآت على غرار مفاجآت آب الماضي في عرسال وجرودها.

– ولا ريب في أن نتائج معركة القلمون غطّت بشكل أو بآخر على نتائج النجاحات الميدانية للمعارضة في إدلب وجسر الشغور.

ورغم أن معركة القلمون لم تضع أوزارها بعد، فإن ثمة من بدأ من الآن طرح السؤال عن فرضية أن المعركة آيلة الى مزيد من تراجعات المسلحين الى أن يأتي حين من الدهر ويتجمع هؤلاء في آخر معقل مفتوح أمامهم وهو جرود عرسال اللبنانية، وبالتالي ماذا عن مآل الأوضاع، وهل ستبقى على ما هي منذ فترة، أم أن باب الاحتمالات مفتوح على مزيد من المفاجآت؟

منطلق السؤال قائم على اقتناع تتداوله أوساط معينة فحواه أنه في الأسابيع الماضية ثمة من رعى تفاهماً ضمنياً على طول خطوط التماس بين الجيش والمسلحين على طول جرود عرسال وصولاً الى جرود رأس بعلبك مما أوجد “ستاتيكو” معيناً من معالمه عدم التعرّض لمواقع الجيش كما في السابق، على أن يظل الوضع ميدانياً وفق قواعد ترغب فيها المجموعات المسلحة المتمركزة في جرود عرسال.

وإذا ما تحوّلت الأمور في جرود القلمون ووجد المسلحون السوريون أنفسهم محاصرين في جرود عرسال بين فكي كماشة، فهل سيبقون ملتزمين الخطوط العريضة لهذا التفاهم، أم أن تدحرج الأمور سيفرض وقائع ميدانية جديدة تفرض إدخال تغييرات على قواعد اللعبة المألوفة؟

ثمة من يرى أن لا مصلحة لأحد في التحويل والتبديل وخصوصاً إذا ما توقف “حزب الله” عن التمدد في جرود عرسال مراعاة لمشاعر وحسابات معينة منها الرغبة في عدم تأجيج المشاعر المذهبية إذا ما مضى الحزب قدماً في ما شرع به قبيل أيام. ومنها أيضاً رغبة كل الأطراف في الساحة الداخلية ولا سيما “حزب الله” و”تيار المستقبل” في الحفاظ على استمرارية مؤسسات التعايش والتساكن بدءاً من حوار عين التينة وصولاً الى حكومة تمام سلام.

ومنها أيضاً وأيضاً اعتبار رغبة الجميع في الحفاظ على الاستقرار النسبي وشبكة الأمان القائمة والتي تخيم منذ فترة ليست بالقصيرة على البلاد برمتها.

قبيل ساعات من بدء الحزب هجومه على القلمون ارتفعت في الساحة اللبنانية أصوات عالية من رموز أساسية في “تيار المستقبل” تحذّر من مغبة هذا الهجوم ومن تداعياته المحتملة، مستخدمة مفردات غير مسوقة من قبيل تعبير “عمل لاأخلاقي”.

وبالطبع ثمة من راح يقلّب الأمر على وجوهه المختلفة فوجد فيه نوعاً من تبرير العجز عن الفعل، فيما وجد آخرون في هذا الخطاب إفصاحاً عن الرغبة في الذهاب الى ما هو أبعد إذا ما تجرّأ الحزب وتجاوز خطوطاً حمراً.

وفي كل الأحوال، وجد الحزب في هذا السلوك تهويلاً أكثر مما هو قدرة وعزماً على الإقدام. ولكن ماذا لو تطوّرت الأمور في الإقليم عموماً؟ السؤال مشروع ووارد.