IMLebanon

… وماذا عن توطين النازحين اللبنانيين؟

ليس في الأمر من خطأ في عنوان هذا المقال، وسيأتي الشرح لاحقاً.

كتبنا ذات يوم وفي هذا المكان بالذات، مقالاً بعنوان «حكومة 24 كانتوناً» («الحياة» – 18-11-2014) في توصيف الحكومة اللبنانية الحالية، والتي تتولى مقاليد أمور رئاسة الجمهورية، ومن الوزراء من يعتبر نفسه بديلاً للرئيس نفسه، ووجد من يعتب على هذا التوصيف والقول فيه بعض المبالغة وأنه «يشوّه سمعة الحكومة»، وفي وقت لاحق اعتذر من وجه العتب معترفاً بالشرذمة الوزارية التي تعكس الشرذمة الشعبية الى حد ما، فأين الانسجام الوزاري والبلاد تمر بواحدة من أخطر المراحل وسط منطقة بركانية الطابع؟.

ومن دون أن نعود كثيراً الى الوراء، دعونا نتحدث عن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وتداعياتها وإقدام وزير الخارجية اللبناني السيد جبران باسيل، على مقاطعة الرجل منذ وصوله بيروت حتى مغادرته لها.

وهنا، يجب الكلام عما لهذا التصرف وما عليه، مع الإشارة البارزة الى أن من رافق الأمين العام شخصيتان بارزتان: مدير البنك الدولي ومدير البنك الإسلامي.

هناك وزير في الحكومة السلامية يعبّر عن الهواجس التي تنتاب الفريق السياسي الذي يمثله، من أن الزيارة تنطوي على مخطط لتوطين النازحين السوريين. وهذه هواجس موجودة وقائمة. حتى كان صباح الاثنين الفائت موعد افتتاح المؤتمر الاقتصادي في بيروت، وكان مقرراً أن يخطب فيه الرئيس تمام سلام، لكن وفاة والدته السيدة تميمة حالت دون ذلك وكلّف وزير البيئة محمد المشنوق بقراءة الخطاب بالوكالة، فإذا به يحمل هجوماً عنيفاً على موقف وزير الخارجية ولو من دون التسمية بالاسم، مقدماً للمجتمع الدولي الموقف الرسمي للحكومة حول الترحيب بزيارة الأمين العام، ومنتقداً بعنف غير معهود لدى الرئيس سلام. وهكذا، مقابل إعلان الوزير باسيل هواجسه على الهواء مباشرة.

كان رد رئيس الحكومة بالأسلوب نفسه، ليتّضح أن الغسيل اللبناني الوسخ ينشر على الهواء مباشرة. وحول موضوع توطين النازحين السوريين كلام كثير يجب أن يقال، من موقع التحليل الموضوعي للأمور البعيد من الشحن والانفعال.

أولاً: كان في إمكان وزير الخارجية أن يواكب زيارة بان كي مون من البداية حتى النهاية، وأن يصارح ضيف لبنان ورفيقيه بالهواجس التي يحملها حول المخاوف من توطين النازحين السوريين. لكن مقاطعة الضيف والزيارة لم تكن موفّقة ولا مستحبّة، وكان الموقف ليكون أكثر فاعلية لو تم بمواجهة بان كي مون بالوقائع وجهاً لوجه.

وفي المقابل، كان من المستحسن وعلى الطريقة اللبنانية، عدم المواجهة على التلفزيونات، الأمر الذي ترك المزيد من حالات الشرخ وتعميق الانقسامات بين اللبنانيين.

وحول هذا الموضوع لنا رأي ننقله بكل تواضع ونعبر عن المسؤولية الخاصة والعامة لمضمونه.

كان ذلك منذ سنتين بالتمام والكمال (4 نيسان/ إبريل 2014)، ونستعيد بعض ما ورد فيه حرفياً.

«نتطرق في هذا المقال الى مسألة في غاية الخطورة والأهمية، فحتى الأمس القريب كانت الإشارة الى «التوطين» محصورة باللاجئين الفلسطينيين، لكن هذا التعبير انتقل ليشمل السوريين المنتشرين بالملايين في لبنان وفي بعض دول الجوار».

وأضفنا: «هل نتحدث عن فلسطين جديدة؟».

«بأسف شديد، نحن نتحدث عن هواجس التوطين في أكثر من فلسطين واحدة، والمعني هنا مئات الآلاف من السوريين الذين هجروا من المعارك في مختلف المناطق السورية، حتى أصبح العدد يتخطى المليون وثلاثمائة ألف نازح سوري ينتشرون في مخيمات بدائية تذكر بمخيمات البؤس. من أين تأتي هواجس توطين النازحين السوريين؟ وما هي عناصرها؟ وفي الإجابة، يفضّل أن نعرض للعوامل التالية:

لا شيء يشير الى قرب انتهاء الحرب في سورية حتى الآن (قبل سنتين). الأمر يعني تلقائياً بقاء النازحين في أماكنهم وفي خيمهم ومخيماتهم الى أجل غير مسمى».

«إن تقديرات المنظمات الدولية المتخصصة والتابعة لمنظمة الأمم المتحددة، تشير الى بلوغ عدد النازحين السوريين الى لبنان حوالى أربعة ملايين نازح حتى العام 2016، فكيف سيتمكن لبنان من استيعاب كل هذه الأعداد؟».

وفيما نطلق بعض الأحداث التحذيرية، تتسارع مواقف أخرى نافذة ومطلعة تؤيد هذه المخاوف، وفي الطليعة السفير البريطاني (السابق) في لبنان توم فليتشر، فهو أكد ما يلي: «إن خطر توطين النازحين السوريين خطر قائم وليس وهماً»، ومضى السفير فليتشر يقول في حينه حول التوفيق بين دعوة المجتمع الدولي الى تشجيع لبنان على استضافة النازحين السوريين وهذا الخطر القائم، حيث «أنها أداة لمسألة إنسانية، وفي رأيي (السفير فلنتشر) فإن البلدان التي تقبل دفع هذه الضريبة الإنسانية قليلة، وبعض الدول الغربية تحاول أن تتمثل بالكلام الذي اتصف به لبنان، لكن هذا العبء ينبغي ألا يبقى مقتصراً على اللبنانيين، وبما أننا شجعنا لبنان على استقبال كل هؤلاء النازحين، فعلينا أن نتجاوب مع حاجاته، خصوصاً أنها من أكبر أزمات النزوح في التاريخ».

«ويعرف عن الإنكليز دقتهم في توصيف الأزمات، خصوصاً كأزمة النازحين السوريين في لبنان، وعندما يقول السفير فليتشر «إن توطين السوريين في لبنان ليس وهماً»، فهذا كلام يجب أخذه على محمل الجد».

وأضفنا في حينه: «غني عن القول أن السلطات اللبنانية أخطأت في التعاطي مع أزمة النازحين السوريين منذ البداية، ولذلك يتعاظم حجم هذه المأساة وليس من حلول سحرية لواقع الحال بين الجانب الإنساني والمزايدات السياسية التي تصدّرت الأزمة.

وعندما نستحضر التاريخ الذي ليس ببعيد، نتذكر جموع اللاجئين الفلسطينيين الذين أتو الى لبنان بعد حرب عام 1948، وكان شرط مقابلتهم أن يكون موقتاً فإذا بهذا الموقت يتحوّل الى دائم، ونحن اليوم في العام الخامس والستين (في حينه وقبل سنتين)».

وأضفنا: «وماذا عن حق العودة؟ لقد نص القرار الدولي رقم 194 على «حق الفلسطينيين في العودة الى ديارهم والتعويض عليهم»، لكن السلطات الإسرائيلية، بخاصة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو، لا تعترف بحق أي فلسطيني في العودة الى أرضه الأصيلة، بل هي تدعو الفلسطينيين للعودة الى «دولة فلسطين» عندما تقوم.

إذاً، هذه كانت المعطيات قبل سنتين بالتمام والكمال، وقد تأكدت مخاوف توطين النازحين السوريين أكثر فأكثر مع تقادم الزمن، وحول هذه المخاوف نورد بعض الوقائع المباشرة التالية:

أولاً: إن الدول الأوروبية بكاملها مجتمعة، أعلنت عجزها عن المساهمة في حل أزمة النازحين إليها، وهي تعمل حالياً وضمن مؤسسات المجموعة الأوروبية، لإعادة أكبر قدر ممكن من النازحين. والسؤال: إذا كانت الدول الأوروبية قد عجزت عن التعايش مع أزمة النازحين السوريين، فكيف في استطاعة لبنان أن يفعل ذلك؟

ثانياً: خلال المؤتمر الأخير لما يسمى بالدول المانحة لمساعدة النازحين السوريين، في لندن حدث الآتي:

إن الدول التي تبرعت ببعض الأموال لمصلحة النازحين السوريين، أصرت على توزيع هذه الأموال على سنوات عدة تبلغ حد العام 2020، فماذا يفعل لبنان بانتظار هذا التاريخ إذا ما بقي النازحون السوريون في أراضيه، وهذا هو غالب الظن؟

لقد عانى لبنان ولا يزال الكثير من ضعف المساعدات المالية التي تقدمت بها الدول أو التي أعلنت عن التبرع بها، وترك لبنان وحده يعالج مأساة النازحين السوريين على حساب أهله. وهنا نصل الى طرح ما ورد في عنوان المقال: حول مصير النازحين اللبنانيين؟

إن نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر في تزايد مستمر، وتبعث على القلق والخوف الجدي والعميق.

فإذا كان لبنان وضع نفسه في موقع التسوّل والتسكّع على أبواب المجتمع الدولي من أجل تأمين الحد الأدنى من العيش للنازحين السوريين، فمن حق المواطنين اللبنانيين التساؤل عن مصير «توطينهم في بلدهم لبنان».

هذا الكلام لا ارتباط له بالمواقف الديماغوجية أو الشوفينية التي تميز المرحلة التي نعايش في الوطن وفي دول الجوار وفي المهاجر.

لقد أخطأ الوزير باسيل من حيث الشكل بمقاطعته زيارة الأمين للأمم المتحدة بان كي مون، ومدير البنك الدولي ومدير البنك الإسلامي. وكان في إمكانه مقارعة الحجة بالحجة لا أن يقاطع زيارة «أكبر موظف دولي» ولو بالحد الأدنى من «الضيافة اللبنانية» التي اشتهر بها الوطن عندما كان الوطن هو لبنان الذي عرفناه.

وفي المقابل ومع المعذرة من الرئيس تمام سلام، كان الأمر خاطئاً في أسلوب المعالجة، أي أن نسترسل في نشر الغسيل اللبناني الوسخ على الهواء مباشرة، علماً أن الإنصاف يقتضي منا الاعتراف بدرجة الصبر وطول الأناه التي يتصف بها الرئيس سلام، وسبق لنا وبتواضع، أن دعونا الى استحداث جائزة نوبل جديدة هي «نوبل للصبر الطويل»، ورئيس الحكومة طليعة الذين يستحقون هذه الجائزة.

وعلى صعيد الوقائع: ما من شعب تم توطينه بقرار إقليمي أو دولي، كما هو «التقسيم» بعينه، بل إن «التوطين» و «التقسيم» تكريس للأمر الواقع، وإذا ما استحضرنا الشعار القديم خلال فترة الوجود العسكري السوري في لبنان: «شرعي – وضروري… وموقت»، تُفهم مخاوف الذين يساورهم هاجس توطين النازحين السوريين في لبنان.

لقد أكدت الحرب السورية مع دخولها العام السادس، أن السوريين يأكلون الحصرم واللبنانيين يضرسون! وفي سياق الكلام عن الانسجام الوزاري المفقود داخل الحكومة الحالية، بلغ حد المهاترات بين بعض أعضائها، حد المطالبة بضرورة قيام «اتحاد فيديرالي» بين أعضائها حتى لا نغالي بالقول: إن المطلوب أيضاً توقيع معاهدة «عدم اعتداء» بين فريق الـ24 رئيس جمهورية».

أما الأمر الصارخ بغرابته، فهو يتمثل بالتالي: نطالب المجتمع الدولي بمساعدة لبنان في هذه الفترة الصعبة من تاريخه، وعندما تظهر بعض هذه المساعدات… نقاطع المسؤولين الدوليين ونمتنع عن استقبالهم في لبنان في شتى الأوصاف أو الأعذار.

ولأن الأمور مترابطة ببعضها البعض ولبنان يعاني من ارتدادات الزلزال السوري، فلا يجب متابعة الرهان على أن مسار الأحداث في سورية سيقرر مصير لبنان، والصحيح أن لبنان المتأثر الأول والمباشر بما يجري، فعلى صناع القرار أو من تبقى منهم الانتفاض على الواقع المزري القائم في «وطن النجوم» ووقف مسيرة الانهيار الكبير للبلاد والعباد.

وفي الكلام الأخير:

هذا التهافت الدولي على خطب ود لبنان في الآونة الأخيرة، يجب أن يشعرنا بمزيد من الخجل لفشلنا الذريع في حكم أنفسنا بأنفسنا. ومن المفارقات النافرة، أننا نتسكع على أبواب الخارج طلباً لدعم الخارج في حل مشاكلنا الداخلية، وعندما يأتي «المجتمع الدولي» إلينا نتهرب من استقباله ونتخلّف عن مكاشفة المندوبين الدوريين بما يعاني منه الوطن وصولاً الى التسوية.

وفي مسألة توطين النازحين السوريين أو غيرهم، فلا المهللون لإنقاذ هذا التوطين عملياً سيكرسون التوطين، ولا مناضلو المايكروفونات سيمنعون حدوث التوطين الجديد بعد توطين الفلسطينيين. وللأمر تتمة بل تتمات!

وقبل وضع النقطة النهائية على سطر الأحداث في لبنان، هذه الإضافة على اتصال مباشر بسياق التطورات المتسارعة.

إذا كانت الدول الأوروبية في مجملها تئن من تزايد وطأة النازحين السوريين إليها، فكيف ستكون عليه الحال في لبنان؟

منذ أيام، نشر تقرير دولي خاص بالتعاطي مع أزمة النازحين السوريين (تحديداً)، وورد في القرار ما مؤداه أن دول القارة الأوروبية تريد إبعاد مرارة الكأس المتمثل باستيعاب النازحين بالملايين منها. كما أوصى القرار بضرورة «إعادة النازحين السوريين الى أقرب نقطة من سورية تمهيداً للسلام الآتي أو الموعود به في وقت قريب!

وقبل هذا الطرح الذي يثير الهواجس والكوابيس لدى فريق كبير من اللبنانيين، والخوف من أن يكون لبنان هو الهدف وهو مركز الاستهداف تحديداً، تزداد المخاوف من أن تتعثر السلطات اللبنانية بارتكابها مزيداً من الأخطاء في مسألة النازحين السوريين كما حدث في التعاطي الخاطئ بعد اندلاع شرارة الأحداث في سورية.

وتبقى الرؤيا الماثلة أمام الجميع: إن ما حدث هو عظيم وقائم، لكن الآتي هو الأعظم والأكثر فداحة.