عندما تقرر الرابية تجاهل بكركي
ما هي النصيحة «البرتقالية» لوزير الداخلية؟
ليس خافياً أن العلاقة بين بكركي والثنائي المسيحي، «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، ليست في أحسن أحوالها، والأرجح أن بكركي تعرف أن الصالونات السياسية لمناصري الطرفين تضج بالانتقادات، الهامسة حيناً والصارخة حيناً آخر، لسلوك البطريرك الماروني بشارة الراعي ومواقفه.
ومع ذلك، فإن إشادة الراعي بكلام وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي اعترض على «خرافة» الرئيس القوي والمبالغة في إظهار «المظلومية» المسيحية، كان لها وقع الذهول في أوساط «التيار الحر»، التي وجدت في ما ذهب إليه البطريرك تعارضاً بالدرجة الأولى مع خطاب بكركي وبيان الثوابت السياسية الصادر عنها، قبل فترة، بالتوافق مع الأقطاب الأربعة، ليشكل بوصلة المسيحيين في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً لجهة التمسك بانتخاب رئيس قوي.
أما المظلومية، فهي بالنسبة إلى «التيار» ظاهرة للعيان، من محاولة مصادرة رئاسة الجمهورية إلى واقع المسيحيين في الإدارة مروراً بما يتعرض له جهاز أمن الدولة مؤخراً «وغير ذلك الكثير من الأدلة المتراكمة على السعي إلى مواصلة تهميش الدور المسيحي في مؤسسات الدولة، على اختلافها، وهذا واقع يُفترض ألا تكون هناك حاجة إلى إقناع بكركي به، بل ينبغي أن تكون هي في طليعة المتصدين له»، كما تؤكد إحدى الشخصيات المتحمسة لتفعيل حضور بكركي في معركة استعادة الحقوق.
لكن، وبرغم الصدمة التي شعر بها أنصار عون حيال ترحيب الراعي بمواقف المشنوق الأخيرة، فإن قرار الجنرال كان يقضي بأن تتجاهل الرابية وقيادات «التيار» موقف البطريرك وعدم الرد علناً عليه، وهذا ما يفسر خلو بيان «تكتل التغيير والإصلاح» بعد اجتماعه الأخير من أي إشارة إليه.
ويُنقل عن أحد قياديي «التيار» قوله: لقد آلينا على أنفسنا عدم تناول كلام الراعي لا سلباً ولا إيجاباً، وصولاً إلى اعتبار ما صدر عنه مجرد تصرف اجتماعي انطوى على قدر من المغالاة في الترحيب بالمشنوق، في مناسبة عابرة.
ويشير هذا القيادي إلى أن «اغتباط» الراعي بما قاله المشنوق استدعى ردود فعل لدى العديد من أوساط المطارنة والصرح البطريركي، ممن أبدوا امتعاضهم من كيفية تفاعل البطريرك مع طروحات وزير الداخلية.
ويعتبر القيادي نفسه أن المهم هو ألا يكون المشنوق قد «قبض» كلام الراعي، وأخذه على محمل الجد، «ونصيحتنا له ألا يبني عليه، لأنه ليس قابلاً للصرف ولن تكون له أي ترجمة، خصوصاً بعد التفاهم بين التيار والقوات اللبنانية والذي أصبح بمثابة المرجعية أو السقف لخيارات الأكثرية المسيحية التي يمثلها ركنا هذا التفاهم».
ويلفت القيادي الانتباه إلى ضرورة التفريق بين سياسة الانفتاح التي يطبقها «التيار الحر» في هذه المرحلة، وبين سياسة الانفلاش التي لا تخدم استراتيجية تصحيح مكامن الخلل في السلطة، ومواجهة مسار التهميش والإقصاء الممتد منذ عام 1990، حتى اليوم، بأشكال متعددة وذرائع شتى.
ويعتقد أحد السياسيين المسيحيين من المعترضين على نهج بكركي الحالي، أن البطريركية المارونية كانت أمام فرصة تاريخية لالتقاط لحظة الاتفاق بين «التيار» و«القوات»، والبناء عليها، بغية تحصين دورها وتفعيله، من حيث هي مرجعية حاضنة ومعنية بأن تعكس نبض المسيحيين وهواجسهم وتطلعاتهم وتوقهم إلى رئيس يختزن الحيثية التمثيلية الأقوى، «لكنها بدل أن ترسمل على اتفاق معراب لتعزيز رصيدها وصرفه في خانة تصحيح الخلل في التوازن الوطني، بدا أنها تأخرت عن اللحاق بالقطار، وها هي الآن تمضي الوقت المستقطع في محطة الانتظار، على أمل ألا تفوتها الرحلة المقبلة».
ويشير السياسي إياه إلى أن اهتمام بكركي بمواجهة ظاهرة «الإتجار بالبشر» على مقربة منها في كسروان، كان يجب أن يواكبه أيضاً اهتمام مماثل بالتصدي لنهج «الإتجار بالسياسة»، على حساب حقوق المسيحيين.