Site icon IMLebanon

ماذا بعد فيديو التعذيب؟

لا يمكن الفصل بين تسريب المقاطع المصوَرة لضرب وتعذيب بعض السجناء في سجن رومية، عن مجمل المساعي لضرب الاستقرار الداخلي المشوب بالحذر. ثمّة تأويلات كثيرة، وآراء مختلفة عن النّية من التسريب ومن ثمّ التحريض الذي جرى وأدّى الى «إحتلال الشارع» من عناصر متطرفة رفعت أعلام «جبهة النصرة القاعدية» وتنظيم «داعش» الاصولي.

تتوقف أوساط متابعة لهذا الملف عند الجهة التي نشرت الفيديو لكي تؤجِّج الرأي العام. وتقول إنّ نشر هذه الجهة مقاطع التعذيب وعدم عرضه على وزير الداخلية نهاد المشنوق لإتخاذ الاجراءات المناسبة ضمن إطار المؤسسة، هدف الى استدراج الشارع نحو الفوضى، وما يؤكد ذلك هو مسارعة البعض الى تعميمه والبناء عليه لتحريض الشارع، ودفع الامور الى «العراضة» التي شاهدناها.

بدا الأمرُ بمثابة «مناورة» كبرى هدفت الى توجيه رسائل في كلّ إتجاه. خلالَ ساعتين من ليل أول أمس، كان المتشدِدون الإسلاميون قطعوا الطرق من الشمال الى الجنوب، ومن البقاع الى بيروت. في مشهدٍ أراد منه مطلقوه إجراءَ ما يمكن تسميته «اختبار جهوزية». وبالتالي وضع الجيش والأجهزة الأمنية والقوى السياسية والحكومة أمام تحدّياتٍ خطيرة عنوانها المواجهة مع الشارع.

الشارع، هو الكلمة السحرية لهؤلاء، والذين دأبوا عند كلّ مواجهة مع القوى الشرعية على استحضاره. بدأ الامر في بدايات العام 2011، يومَ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، ولجأ الطرف نفسه الى الشارع في محطات حساسة، منها معركة عبرا مع الشيخ الفار أحمد الأسير، ومنها معركة عرسال في آب من العام الماضي.

وبين هذين التاريخين، نزل «الشارع» نفسه يوم اعتقل الامنُ العام الإرهابي شادي المولوي، وخرجت أصواتٌ تهاجم الأمن العام وتدافع عن المولوي وتضغط على القضاء بالشارع فكان أن أُعيد المولوي الى نشاطاته الإرهابية بسيارة وزير في حكومة ميقاتي. منذ ذلك الحين، أصبح استخدام الناس في الضغط على الدولة والجيش والقضاء والمؤسسات جزءاً من «أدبيات» فريق «الطائفة المظلومة».

من الواضح أنّ وزير الداخلية مستهدفٌ شعبياً جراء التسريب. كان بين المتظاهرين مَن يطلق شعارات معادية له وتطالبه بالاستقالة. لكن هل قطع الطريق في صيدا وعلى خط الساحل وفي تعنايل وسعدنايل يعني المشنوق أم غيره؟

في مستوى من مستويات ما جرى، المشنوق مستهدَف. ولكن في مستويات أخرى أكثرَ عمقاً نلاحظ أنّ «المناورة» بالتظاهر وقطع الطرق استهدفت البلد كلَه، وشلّ كلّ المناطق، وتزامن ذلك مع إعلان «داعش» صراحة عن الانتقال في لبنان نحو العمل العسكري، وتحويله «ساحة جهاد» بعدما كان «ساحة نصرة». وعليه يصبح استهداف المشنوق استهدافاً للدولة كلها، وقطع الطرق بالنحو الذي جرى استهدافاً للسلم الاهلي. لو أنّ المتظاهرين اصطدموا بأيّ سيارة مسلَحة على الطرق التي قطعوها، كيف ستكون العواقب؟

الموضوع أخطر من مسألة نزاع على السلطة بين هذا الوزير او ذاك، فما حصل يحمل بصمات استخبارية واضحة ومشبوهة. وتزامنه مع الاشكال الذي وقع في مخيم «عين الحلوة»، وكذلك في مخيم «البداوي» يؤشر الى أصابع مجهولة ـ معلومة بدأت تلعب بالأمن الداخلي وتلوّح بالشارع السنّي والمخيمات الفلسطينية.

فبعد فشل مساعي الفتنة وتفجير ألغام الداخل في وجه الجيش والمقاومة، يلجأ العابثون بالأمن الى ما هو أخطر وأكثر قابلية للإنفجار. الشارع السنّي الذي أغرقوه بالتحريض والشعور بالغبن والظلامة والتهميش، والمخيمات الفلسطينية التي جعلوها مرتعاً للإرهاب والإرهابيين بلا الحدّ الأدنى المطلوب من الحقوق المدنية والإنسانية.