بعدما بات وصول رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» ميشال عون الى قصر بعبدا محسوماً يوم الإثنين المقبل، تتمحور التساؤلات عما سيليه من محطات دستورية، لا يبدو انجازها مطبوعا بدرجة الوضوح نفسها. وهذا يعني ان ملء الشغور الرئاسي، بغض النظر عن حجم التضحيات التي بذلت لإنجازه حتى لا ينهار البلد، لن يشكل حكما ضمانة كافية لتأمين انطلاقة فعّالة للعهد الجديد الذي سينهي فراغا رئاسيا طال سنتين وخمسة أشهر.
والمحطات الدستورية التي ستتوالى تباعا تبدأ باستشارات نيابية ملزمة لتسمية شخصية تكلف تشكيل حكومة العهد الاولى، تليها مشاورات التأليف والمحاصصة والبيان الوزاري، وانكبابها بعد نيل الثقة على إنجاز قانون جديد للانتخابات النيابية، تعثّر التوصل اليه منذ انتخابات العام 2005 رغم كل الجهود التي بذلت في هذا الاطار.
فتكليف رئيس تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري مؤكد لأنه يحوز على غالبية نيابية وليس بفضل «تعهد» عون او بفضل «تضحية» الامين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله بـ«عدم الممانعة». لكن وبما ان تشكيل الحكومة هو المؤشر الفعلي لانطلاقة العهد الجديد، تكثر التساؤلات عن احتمالات نجاح التأليف بسرعة لا تتعدى اسابيع قليلة في اقصى الاحوال، في ظل تلميح رئيس البرلمان رئيس حركة «أمل» نبيه بري الى أن التشكيل قد يستغرق ما بين خمسة وستة اشهر، وتلويحه بتصدر «معارضة» لن يكون «حزب الله» بعيدا عنها برأي سياسي لبناني وسطي.
فـ«حزب الله» يبدو أنه «لن يلتزم مع عون، بعد ايصاله الى الرئاسة، بما يمكن ان يكون قد تفاهم عليه مع سواه» كما يؤكد المصدر، خصوصا مع اعلان نصر الله في آخر خطابته ان الحزب «لا يلتزم اي تفاهمات ثنائية». فتمايز الحزب عن موقف حليفه بري بشأن الرئاسة لن ينسحب على الحكومة، لأنه يكون قد اوفى المسيحيين حقهم بإيصال «الرئيس القوي» الى السدة الاولى وما عليهم بعد ذلك الا «تقليع اشواكهم بأظافرهم».
فعون، الذي انسحب قسرا ًمن قصر بعبدا في 13 تشرين الاول عام 1990 سيعود اليه في 31 من الشهر نفسه انما عام 2016، فيما بدأت الاستعدادات قبل أربعة أيام على الموعد عبر دعوة اعلام القصر الجمهوري الوسائل الراغبة في التغطية الى التقدم بطلباتها، وعبر ما تسرب من انه انهى صياغة خطاب القسم وإعداد الصورة الرسمية.
كل ذلك بغض النظر عن حجم الاصوات التي سيفوز بها، في ظل مواصلة رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ترشحه وفي ظل معارضين لوصوله سيقترعون بأوراق بيضاء، وفق المصدر نفسه الذي يذكر بأن كل رؤساء ما بعد اتفاق الطائف، سواء رضينا عنهم ام لم نرض، وصلوا إما بإجماع وطني او على الأقل بأكثرية ساحقة.
وفي جو اهتزاز الثقة بين «حزب الله» وقواعد التيار «الوطني الحر» الذي كشف عنه توجه نصر الله الى هذه القواعد بإعلانه استعداده للاقتراع المكشوف، يرجح السياسي الوسطي ان عون، الذي رفض عرضا من «حزب الله» بإرجاء الجلسة نحو اسبوعين افساحا بالمجال للتقريب مع بري، لن يتمسك بما اعلنه تكتله الثلاثاء من ان الفوز يتطلب فقط النصف زائداً واحداً، وبأنه سيرضخ، خشية الارجاء، لاعتبار بري ان الفوز يتطلب اولا اكثرية الثلثين يليها الفوز بالأكثرية المطلقة.
اما «تضحية» الحريري بتبنّي ترشيح عون حفاظا على البلد باعتبار ذلك كان «الممر الاجباري» لإنهاء الشغور الرئاسي، فقد كشف عن «تضعضع ما» في الثنائية الشيعية لأن بري لوّح وللمرة الأولى في تاريخه بالبقاء خارج السلطة، فيما نصر الله يشدّد على ان كلمة واحدة منه ، بمعنى ممانعة وصول الحريري، كانت ستحول دون جلوس عون في القصر الرئاسي، وفق السياسي الوسطي.
ويلفت المصدر الى المدة الزمنية الضيقة التي ستفصل ما بين انجاز الملف الحكومي، اذا تأخر، وموعد الانتخابات النيابية المقبلة التي تبدأ مهلتها الدستورية في نيسان المقبل. ويتساءل ماذا اذا اتى الموعد ولم تتشكل الحكومة؟ فنجد انفسنا حكما امام «قانون الستين» بوجود رئيس للجمهورية انما مع رئيس حكومة مكلف وحكومة تصريف اعمال.