تتحدث إيران عن نفسها كقوة جيوسياسية وجيواستراتيجية وجغرافية – اقتصادية مهمة في المنطقة، ما يجعلها في قلب السياسة العالمية، ونصب أعين المجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة. من هنا، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني أخيراً، إن بلاده “قد تجلس إلى طاولة المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية في حال أوقفت الأخيرة ضغوطها على طهران وقدّمت اعتذاراً لها، فالولايات المتحدة الأميركية ليست جادة في مسألة التفاوض مع طهران، وعليه فإن أي طلب للتفاوض يستند إلى (الكذب والتنمر)، لن يؤدي إلى نتيجة. فالشعب الإيراني يدرك جيداً أن المقاومة هي أفضل سبيل لمواجهة المبادرات غير القانونية، فالتفاوض هو الطريق الذي يجب أن نسلكه بعد إنهاء كافة أنواع الضغوط الممارسة ضدنا. كما أننا رجال حرب ودفاع، فإننا رجال تفاوض وديبلوماسية أيضاً”.
تفيد الحسابات الأميركية بقدرة واشنطن على تعويض مليوني برميل إيراني يومياً. فالإنتاج السعودي بلغ 10,7 مليون برميل بزيادة 700 ألف برميل الشهر الماضي، ويتوقع أن يبلغ 11 مليون برميل خلال الشهر الجاري. كما ينبغي أن يزداد الإنتاج الأميركي من 10,25 مليون برميل إلى 11 مليون برميل وفقاً لمعهد “إينرجي إسبكتس”. ربما لا يعلم الساسة في إيران أن معظم حروب المنطقة جاءت بسبب النزاع على نفطها، مباشرة أو غير مباشرة، واليوم نحن في خضم حرب نفطية إقليمية كبرى. وهنا نتذكر تهديد نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، لدول خليجية من دون أن يسميها العام الماضي، قائلاً إن “أي طرف يحاول انتزاع حصة إيران بسوق النفط إنما يرتكب خيانة عظمى بحق إيران وسيدفع ثمنها يوماً ما”.
ربما تقوم طهران بإطلاق يد “الحرس الثوري” وفصائل عراقية وسورية ولبنانية وفلسطينية متحالفة معه، لشن هجمات ضد أهداف أميركية وإسرائيلية في مختلف أرجاء المنطقة وربما العالم أيضاً، أو تحاول إغلاق مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية عبره من خلال تنفيذ حركة “أنصار الله” الحوثية الحليفة لإيران، هجمات ضد سفن أميركية وإسرائيلية. ذلك على حد تحليل أحد الصحافيين العرب أخيراً.
أمام هذا الواقع، ثمة أسئلة تحتاج إلى إجابات منها: هل أن ما يحدث حالياً يصنف في خانة الخطوات التي تهدف إلى خنق إيران وتأجيج أجواء الحرب، ومن ذلك قرار واشنطن في شأن عدم تجديد إعفاءات استيراد النفط الإيراني؟ وعليه، هل ينجح حلفاء أميركا في مساعدتها في مساعيها الرامية إلى تقليص صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر حتى لا تستمر ببيعه بوسائل متعددة؟ وهل أن دول المنطقة تملك القوة الكافية لضبط أسواق النفط العالمية؟ وإلى أين يمضي تصفير النفط الإيراني في قادم الأيام بعموم المنطقة؟
تستعرض إيران سيناريوهات عدة للرد على قرار ترامب تتمثل في النقاط التالية: “إغلاق مضيق هرمز ومنع مرور نحو 18 مليون برميل من صادرات السعودية والكويت والإمارات والعراق عبره، أو الانسحاب رسمياً من الاتفاق النووي، والعودة إلى عمليات تخصيب اليورانيوم وبمعدلات مرتفعة تؤدي إلى بناء ترسانة نووية عسكرية”.
والواقع أنه في رسالة مبكرة سبقت القرار الأميركي والموقف العربي المؤيد له، وفي محاولة للالتفاف على العقوبات من خلال فتح “منافذ أمنية”، قام الرئيس الباكستاني عمران خان بزيارة نادرة في توقيتها ومشبعة بالدلالات إلى إيران. وفي ظل ظرف يحتشد بالتحولات، قررت إسلام أباد على ما يبدو إمساك العصا من المنتصف بين طهران والرياض، في عودة إلى موقعها البالغ الحساسية والتعقيد بالنسبة إلى جوارها، وخصوصاً إيران وهو موقف يحتم على إسلام أباد أن تكون في خانة الحياد الإيجابي.
ربما يسأل البعض كيف ستتأثر أسواق النفط؟ الحقيقة أنه منذ فرض العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بعدما انسحب ترامب من جانب واحد من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين طهران وست قوى عالمية كبرى لكبح برنامج طهران النووي، شهدت صادرات النفط الإيراني تراجعاً كبيراً، لكن الولايات المتحدة منحت إعفاءات مؤقتة من العقوبات لثماني دول من كبار مستوردي النفط الإيراني، هي: الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وإيطاليا واليونان.
إن وقف تصدير النفط الإيراني، الذي يشكل معظم واردات طهران من العملة الأجنبية، سيخلق خللاً في السوق وفق ما يفيد خبراء، أشاروا إلى أن الإعفاءات سمحت للدول الثماني بمشتريات محدودة منه لمدة ستة أشهر، ليتم بعد ذلك “تصفير الصادرات النفطية الإيرانية” كما توعَّد ترامب، ما يعني أنه يتحتم على جميع مشتري النفط الإيراني إنهاء وارداتهم منه أو الخضوع لعقوبات. والحقيقة أن وقف التصدير سيؤثر ولا بد على الدول التي تستورده وفي طليعتها الدول الثماني.