السؤال المطروح قبل جلسات تشريع الضرورة يقول انه لا بد في النهاية من اقرار جدول الاعمال. والمقصود هنا ان الامور التشريعية لا بد وان تنتهي ليصل مجلس النواب الى ما يفهم منه انه فراغ حتمي وكي لا تتطور الامور الى حصول فراغ سياسي واداري وعملاني في السلطة التشريعية، وهذا الامر غير مستبعد حيث لكل شيء نهاية تشريعية، لاسيما ان المجلس سيضطر الى ان يملأ فراغه التشريعي بمشاريع قوانين عالقة مثل انتخابات رئاسة الجمهورية وانتخابات مجلس النواب، حيث لا يعقل ان يستمر البلد في دوامة الفراغ الرئاسي وكي لا تصل مجددا الى التمديد للمجلس للمرة الثالثة؟!
هل بوسع احد استبعاد حصول ما سبقت الاشارة اليه، طبعا لا، وكي لا يقال ايضا ان التحسب غير موجود من الاساس، اضف الى ذلك ان من امكنه اختراع بعض الحلول الشكلية لن يكون قادرا على ان يستمر في اللعب على القوانين والاعراف، وهذا من الامور الحساسة التي يستحيل على اي كان تمريرها ان من خلال حكومة امر واقع او من خلال مجلس نيابي ممدد له. وفي الحالين لن يكون بوسع احد القول ان السلطة التشريعية ستكون قادرة على تمرير الوقت السياسي من غير حاجة الى ان يتأثر البلد بالنتائج السلبية!
صحيح ان الرئيس نبيه بري يسعى جاهدا الى تدوير الزوايا لكنه سيصطدم في النهاية بموقف لا يعود ينفع معه اجتهاد تشريع الضرورة، اي انه ستكون نهاية غير بعيدة لمثل الحال السائدة عند فترة غير بعيدة، خصوصا لجهة عدم وجود رئيس للجمهورية وعدم وجود حكومة دستورية لا غبار على عملها، اضف الى ذلك ان مجلس النواب عندما مدد لنفسه مرة بعد مرة كان يعرف مسبقا ان لا مجال بعد ذلك لتمديد ثالث «كي لا تنفضح المسخرة» وكي لا يقال ان البلد لم يعد بحاجة الى اجراء انتخابات نيابية في شكلها القانوني والمنطقي (…)
ان مجلس النواب مطالب في هذه المرحلة بأن لا يكون تشريع الضرورة لتمرير الوقت السياسي، كذلك بالنسبة الى انتخابات رئاسة الجمهورية بما في ذلك وضع قانون للانتخابات النيابية قبل ان تتطور الامور نحو الاسوأ، حيث لم يعد احد يعمل حسابا للغد السياسي، وللرئاسة الاولى التي تعتبر من ابرز ما يمكن انجازه بسرعة وبحتمية وضرورة، قبل كل ما يقال عن قوانين مشاريع مالية وقانونية (…)
الذين لم يفهموا الى الان ان تشريع الضرورة، لا بد ان ينتهي بعد الانتهاء مما هو مطروح على جدول اعمال مجلس النواب، لاسيما بالنسبة الى موضوع الرئاسة الاولى الذي يعاني منه لبنان جراء اهتمام شكلي من جانب بعض السياسيين الى حد يبدو للبعض الاخر ان لا جدوى من الانتخابات النيابية والرئاسية في آن، خصوصا عندما يقال ان البلد يعاني منذ مدة من هذين الموضوعين، من غير حاجة الى ما يثير زوبعة مطالب تحتاج الى اكثر من حراك سياسي وشعبي لانهما اساس معظم المشاكل العالقة؟!
واللافت في هذا الخصوص ان مجلس النواب غير محرج حتى الساعة انهاء ما هو مطالب به للعمل الجدي في سبيل انتخاب رئيس جمهورية وانجاز مشروع قانون للانتخابات النيابية، اضف الى ذلك ان الكهرباء والمياه والنفايات ليست اهم من الرئاسة الاولى التي تشغل بال اللبنانيين وتضع مستقبلهم على رف التساؤل طالما ان لا نتيجة تذكر على الصعيد الرئاسي والانتخابي، مع العلم ان الزوار العرب والاجانب كثيرا ما يثيرون موضوع الفراغ الرئاسي وكأن الامور السياسية مدبرة لان يبقى البلد من دون رئيس جمهورية؟!
المهم في النتيجة ان لا ينتهي مجلس النواب من جدول اعماله من دون ان يقارب موضوع الرئاسة الاولى التي يعتبرها الجميع ضرورة الضرورات قبل كل ما عداها من قضايا وشؤون مالية – اقتصادية بالامكان الحاقها من غير حاجة الى الاتكال على عامل الضرورة وحده، خصوصا ان الحال الاقتصادية – المالية تشكو من سلسلة مشاكل قد تؤثر في النتيجة على مالية الدولة وتمنع بالتالي من اي مسعى للمحافظة على سلامة النقد الوطني، وهذا يعني انه لولا اجراءات وتدابير المصرف المركزي لما كانت الليرة في حال متوازنة اضف الى ذلك ان المديونية الى تطور تصاعدي لا بد وان يؤثر على تماسك الليرة؟!
وما هو اكثر اهمية ان على من يضع بعض القضايا الحساسة والحيوية على جدول اعمال مجلس النواب ان يدرك ان الامور السياسية لا تكفي وحدها للجم الفلتان الامني المرشح لان يتطور من سيىء الى اسوأ وعندها قد تتطور الامور باتجاه ما لا تحمد عقباه، وباتجاه تراجع تماسك الدولة حيث يعرف الجميع اننا «على صوص ونقطة» في المجال الذي يسمح باستمرارنا على ما نحن عليه؟!
ويبقى السؤال ماذا بعد تشريع الضرورة؟!