«الاتفاق النووي» بين إيران والدول الست في «فيينا» حدث المنطقة الأبرز. الجمهورية الاسلامية نالت إعترافاً بحقوقها ودورها، والولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون نالوا إتفاقاً يؤخّر إحتمالات التطوّر العسكري للبرنامج النووي الايراني، وسوقاً إقتصادية واعدة بعد رفع الحصار وإنهاء العقوبات.
الإيرانيون رفضوا أثناء المفاوضات ربط الملف النووي بأحداث المنطقة كما كان يرغب الأميركيون. لكنّ مجرّد توقيع الاتفاق، سيجعل الطرفين الايراني والغربي عموماً أمام حتمية التعاون في الملفات التي تثقل كاهل الاقليم، وفي مقدّمها ملف الارهاب المتنامي، وسبل تحقيق الامن والاستقرار الإقليميّين في ظلّ الحروب والاضطرابات التي تعيشها غالبية الدول العربية.
تقول مصادر مطلعة على السياسات الايرانية، إنّ طهران كسبت الى جانب الاعتراف بملفها النووي، إعترافاً غربياً بدورها في المنطقة العربية، وهذا ما سيؤهّلها لأن تكون العنصر الضامن للإستقرار في الشرق الاوسط. لم تفاوض طهران للحصول على هذا الاعتراف، بل قاتلت وصمَدت عقوداً ورسمت وقائع سياسية وعسكرية لم يعد الغرب قادراً على تخطّيها، بل صار يحتاج اليها في إطار الشراكة الاقليمية والدولية مع إيران.
وتؤكّد المصادر نفسها أنّ «الجمهورية الاسلامية ستبادر الى زيارات للدول العربية ومن ضمنها دول الخليج، لأنّ طهران تسعى بعد الاتفاق إلى مدّ جسور تعاون إقليمية مع الدول العربية والاسلامية.
ومن أبرز الدول التي ستحاول إيران فتح ابواب التعاون والتفاهم معها السعودية وتركيا ومصر».
الاتراك مستفيدون جداً من الاتفاق النووي إقتصادياً. أوّل تعليق تركي على الدخان الابيض الصاعد من «فيينا» جاء على لسان وزير الخارجية الذي إعتبر أنه سيؤدّي الى «إنتعاش» إقتصادي.
وتركيا بسبب دورها وموقعها وعلاقاتها مع طهران مرشحة لأن يمرّ عبرها كثير من المشاريع والاستثمارات والصادرات المتجهة نحو إيران. وهذا ما يجعل غالبية الخبراء الاقتصاديين الاتراك متفائلين بالنشاط الاقتصادي التركي مستقبلاً، وهذا ما سينعكس في لحظة ما على التفاهم السياسي.
العلاقات المصرية – الايرانية بعد الاطاحة بحكم «الاخوان المسلمين» عادية. وتشير المصادر الى أنّ طهران أصيبت بخيبة أمل حيالَ أداء «الاخوان» في السلطة.
وهذا ما جعلها تصمت عند الاطاحة بهم، وتعمل تدريجاً على تقارب بينها وبين القاهرة يصبّ في إطار التعاون العربي ـ الاسلامي. الموقف الاماراتي قد يكون مشجِّعاً للمصريين، خصوصاً أنّ الرياض أبطأت من مستوى دعمها للقاهرة بعد رفض الأخيرة مشاركة قوات برية في اليمن.
الاصعب في قيام الرباعية الاقليمية المنشودة، بحسب المصادر، هو الموقف السعودي. فقد سارعت الرياض عبر إعلامها ومصادرها الى مهاجمة الاتفاق والتعامل معه بسلبية والتلويج بإجراءات حيال واشنطن! وهذا مرده الى الخشية السعودية من الدور المتعاظم للجمهورية الاسلامية. ولكن هل هذه الخشية واقعية؟
تقول المصادر إنّ الحرب على اليمن هي آخر شعرة قطعت بين الطرفين حيث إتسعت دائرة النزاع، وتخطّت حدود العودة عن المواقف المتصلّبة. الرياض بنَت موقفها على حالة الحرب القائمة بينها وبين طهران في كلٍّ من سوريا والعراق واليمن والبحرين، ولكنّها لم تلتفت الى حجم الاعتراف الذي نالته إيران بصفتها حجر الزاوية الذي ستُبنى عليه كلّ التفاهمات والتسويات.
الايرانيون جدّيون في سياسة مدّ اليد تجاه الرياض. وقد يكون الاتفاق النووي وما سيترتب عليه من واقع دولي إقليمي، فرصة للبحث في تعاون إقليمي عماده إيران وتركيا ومصر والسعودية.
وإلّا فإنّ الجميع سيغرق في مستنقع طويل من النزاع والاستنزاف، ولن يكون في إستطاعته النجاة. فقرار الدخول في حال حرب طويلة مع الجمهورية الاسلامية الناهضة والواعدة، سيأتي بنتائج عكسية على «أصحاب قرار النزاع»، ثمّ إنّ الولايات المتحدة بحجمها إختارت التفاهم مع طهران.
إيران احتملت وأدارت حروباً وكانت تحت الحصار، ومن البديهي أن تتعزّز قدراتها على احتمال وإدارة حروب اذا فُرضت عليها. وبالتالي يبدو بحسب المصالح أنّ مصلحة الجميع في الإقليم التفاهم مع إيران، وتطوير العلاقات معها نحو تأسيس فضاء إقليمي يمنع مزيداً من التدهور ويؤسّس لحلول سياسية للأزمات التي نعيشها.