لا حدود للغضب الذي أثاره قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل. ولا شيء يتقدم على زحام المؤتمرات والاجتماعات المخصصة للرد على القرار المرفوض المخالف لقرارات الشرعية الدولية وحتى لعملية التسوية التي انفردت أميركا بادارتها ضمن منطق التفاوض على قضايا الوضع النهائي والتحذير من أي خطوة يقوم بها طرف واحد: من مجلس الأمن الى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي والاتحاد الأوروبي. ومن اللقاءات والاتصالات الثنائية بين القادة الى التظاهرات الاحتجاجية في شوارع المنطقة.
لكن الأهم من الغضب هو ترجمة الغضب الى سياسة. فما فعله ترامب بكل مخاطره وسيّئاته فتح ملف القدس، من حيث أراد اغلاقه. وما يجب أن يقود اليه فتح الملف هو فتح معركة القدس بعدما صارت القدس بندا على جدول أعمال كانت ولا تزال المفاوضات حوله تمارين في العبث. لا بل بعدما تقدمت عليها قضايا عدة في صراعات المنطقة. من الصراع على السلطة بين فتح وحماس فوق أرض محتلة الى الحرب على الارهاب ودفع أثمان باهظة ل أجندة التيارات المتشددة والسلفية الجهادية الممثلة بتنظيمات عدة أخطرها القاعدة وداعش. ومن الصراع الجيوسياسي الدائر في سوريا والعراق واليمن ضمن صراع له طابع مذهبي بين محورين عربي وايراني الى فصل جديد في أدوار القوى الدولية الكبرى على المسرح الاقليمي. وعودة القواعد العسكرية الأجنبية بعد عقود على التحرر منها.
والسؤال الملحّ حاليا هو: ما الذي يفعله الفلسطينيون والأردنيون والمصريون بالاتفاقات والعلاقات مع اسرائيل؟ ما الذي يفعله العرب جميعا بعملية التسوية التي راهنوا فيها على الدور الأميركي لتحقيق حلّ الدولتين، فوجدوا أنفسهم مضطرين لنزع الأهلية عن الوسيط الأميركي بعد سنوات من تواطؤ واشنطن مع اسرائيل في اللعبة الاستراتيجية والعجز عن الضغط عليها في الألعاب التاكتيكية؟ وهل هناك فرصة لكي تعود قضية فلسطين الى موقعها السابق بوصفها القضية المركزية للعرب، بعدما توزعت الهموم والاهتمامات على قضايا أخرى؟
من هنا يبدأ التحدي، سواء استمر الفلسطينيون والعرب في خيار التسوية السياسية أو أعادوا الاعتبار الى الخيار العسكري. إذ حتى التسوية تبقى مهمة مستحيلة من دون تغيير في موازين القوى. والوقت حان بعد مئة سنة على وعد بلفور والتظاهر ضدّه للاعتراف بأن ما أنشأ دولة اسرائيل ليس مجرد ورقة كتبها وزير خارجية بريطاني بل أيضا ومعها قيام الصهاينة بتنظيم قوة عسكرية وأمنية وترتيب علاقات سياسية مع عواصم القرار ولعب الأوراق المالية حيث يجب ويمكن. ولو كنّا أو اذا صرنا قادرين على تحرير القدس، لما كان وعد ترامب أكثر من ورقة في الهواء.