وقعت المظاهرة العونية الحاشدة والمنظمة بين حدثين مفصليين، أحدهما مظاهرة المجتمع المدني الحاشدة التي كانت «غير مسبوقة»في تاريخ المجتمع المدني، وبين القداس السنوي لشهداء المقاومة اللبنانية الذي أقيم أمس الأول في معراب وتحدث فيه قائد القوات اللبنانية، الذي استهدف في كلامه الفساد والافساد ومعلنا «ثورة جمهورية» ضد كل الفاسدين سواء إنتموا إلى الثامن أو الرابع عشر من آذار أو إلى أي طرف، ولم ينس ان ينتقد حزب الله من دون ان يسميه.
مصادر سياسية محايدة قالت إنه لا يمكن الفصل بين المشهدين في قراءة الصورة العامة. ففي حين عملت الماكينة العونية بأقصى قدرتها الحشدية وتمكنت من جمع عشرات الآلاف، قامت القوات اللبنانية بقداس حاشد، و«الثورة» التي أعلنها جعجع، رافضا زج «القوات» في لائحة الفاسدين على مبدأ «كلن يعني كلن» ملاقيا في ذلك حزب الله، والتيار العوني، اللذين يرفضان أيضا أن تشملهما «لائحة العار».
وعلقت المصادر على الحشود التي غصت بها ساحة الشهداء بالقول إن الحشود أكدت المؤكد، وهو أن التيار الوطني الحر هو تيار العماد المؤسس ميشال عون حصرا، والحشود التي نزلت إلى الساحة نزلت «لعيون الجنرال»، وكيلا يكسر الجنرال، حتى أشد المعارضين لرئيس التيار المهندس جبران باسيل والحانقين ممن مزقوا بطاقاتهم الحزبية عقب تزكيته، نزلوا إلى الشارع لتأكيد الولاء لعون، والدليل مقدار الحماسة لكلمة الجنرال المتلفزة مقابل حماسة أقل لغيرها.
وفي الأبعاد السياسية لكلا التظاهرة والقداس قالت المصادر عينها إن من شأن التظاهرة العونية إثبات استمرار قدرة الجنرال عون على تعبئة الشارع وحشده تحت عنوان الشعب العظيم، وبالتالي تأكيد المرجعية العونية للحلفاء والخصوم على حد سواء، بحيث أنه حتى المعترضين على تعيين باسيل رئيسا للتيار نزلوا لانهم «لا يقبلون أن ينكسر الجنرال». بالتالي، سيحمل الجنرال إلى طاولة حوار رئيس المجلس الممدد لنفسه نبيه بري ورقة قوة إضافية، هي ورقة الشارع القوي، مما يحسن من شروط التفاوض.
وربطت المصادر بين التماهي بين الجنرال والحكيم، وبين رفض القوات المشاركة في طاولة الحوار، لأنها «مضيعة للوقت»، مشيرة إلى أن هناك أسباباً غير معلنة تتعلق بتجنب «الإصطدام» مع العماد ميشال عون على الطاولة، باعتبار أن عدم سحب ترشيح الجنرال للإنتخابات الرئاسية وفي نفس الوقت عدم القبول بأي مرشح آخر منافس، ومع الضغط الدولي المطالب بإنتخاب رئيس للجمهورية، إلى جانب الحراك الشعبي المطالب بذلك، سيزيد من الضغوط على العماد عون للقبول بمرشح تسوية، وعلى الطاولة، في حال نوقش، سيطالب المتحاورون بإنتخاب رئيس كبند أول، ومن الطبيعي أن يقف العماد عون مطالبا بإنتخابه رئيسا، ومعه حزب الله، في المقابل يقف المعارضون، هذا «يزرك» الحكيم، فهو إما يدعم الجنرال، وهذا ما ليس له فيه مصلحة، فيهتز الحلف مع المستقبل، أو يقف في وجه الجنرال عون، وبالتالي «تطير» ورقة إعلان النيات الغضة.
فضل «الحكيم الإبتعاد عن الشر والغناء له». تقول المصادر، تجنبا للأسوأ. فآثر ترك الساحة للجنرال «لأنو الجنرال بيمون». وبالمقابل، تصرف ويتصرف وسيتصرف على مبدأ «أنا الرئيس وغيري صاحب الفخامة». والدليل الإستقبال الملوكي له في بلاط خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على نقيض حليفه الأساسي، الذي تتوارد معلومات عن «علاقة متوسطة» مع البلاط الملكي، ومع الأزمات المالية المتلاحقة، التي لم تعد تخفى على أحد.
بالمحصلة، تختم المصادر، التظاهرات الشعبية والمطلبية قلبت المياه الراكدة في الوسط السياسي، وخربت الستاتيكو السياسي، بحيث أصبح الكثير منتظرا على مستويات عدة. بالتالي، الأيام المقبلة حبلى بالكثير من المفاجآت، التي نأمل أن تكون سارة وسعيدة مع تواتر إرهاصات الإتفاق النووي. وبانتظار ما سيصدر من كواليس لقاء القمة الخارق لبروتوكول المكتب البيضاوي وما بعده، كي يبقى الأمل والحلم بلبنان، وطنا لجميع أبنائه، وليس دار ولادة ومساراً نحو الهجرة…