مع وفاة اللواء محمد ناصيف معاون نائب رئيس الجمهورية الذي نعته الرئاسة السورية قبل يومين قفز الى اذهان بعض المتابعين عنوان مهم كان برز في الولايات المتحدة في كتاب ادى الى سقوط الرئيس ريتشارد نيكسون اذ كشف تفاصيل ما عرف بفضيحة واترغيت. الكتاب كان بعنوان “كل رجال الرئيس” لمؤلفيه بوب وودورد وكارل برنشتاين وتحول فيلما سينمائيا مهما اتبع باخر حمل عنوان “الايام الاخيرة” تحدث عن الايام الاخيرة لنيكسون في البيت الابيض. “كل رجال الرئيس” بدا عنوانا مناسبا ينطبق على رجال النظام السوري الذين تهاووا لأسباب مختلفة مع غياب طبيعي كما في حال محمد ناصيف وحكمت الشهابي وابتعاد عبدالحليم خدام ووضع فاروق الشرع في الاقامة الجبرية او تغييب رجال النظام السوري الاقوياء (آصف شوكت، غازي كنعان، رستم غزالة، جامع جامع وسواهم ممن استهدفهم التفجير الامني في دمشق مع آصف شوكت) وهؤلاء جميعهم كانوا وراء سمعته الامنية الشهيرة ونظامه الحديدي. خلال اربع سنوات وبضعة اشهر من عمر الازمة السورية حتى الان، بدا ان المعادلة التي سيطرت منذ البدء حول الاستغناء عن بشار الاسد باعتباره مسؤولا عن تدمير سوريا وقتل اهلها في مقابل بقاء النظام وهيكليته المؤسساتية حرصا على عدم تعرض سوريا لما حصل في العراق بعد الاحتلال الاميركي استعيض عنها عملانيا ببقائه حتى الآن والتخلي حين ومتى أمكن عن أركان نظامه وتهاوي البعض منهم لأسباب مختلفة. سقط رجال النظام واحدا تلو الاخر ما يؤشر الى نهايته عمليا لانه قام عليهم وهم لم يعودوا موجودين او غاب غالبيتهم ربما ما خلا اسماء قليلة من الرموز الامنية المعروفة التي بات وضعها او مصيرها بدورها مطروحا بقوة. ويفترض بذلك ان يعني ان النظام اذا لم ينته فهو ضعف كثيرا بغياب رموزه مما قد يسهل وفق رأي بعض المتابعين في تخلي السوريين عنه خصوصا العلويين منهم في اطار صفقة من الضمانات المقابلة ومن خلال تذكية قادة علويين آخرين مكانه. وليس واضحا اذا كان الرئيس السوري يمكن ان يبيع نفسه او ان يسوّقه حلفاؤه كإيران وروسيا على هذا الأساس انه بات محررا من “الاثقال” باعتبار ان النظام الامني خلا من رموزه الذين أرسوا اسسه وحددوا معالمه ولو انه استعان حتما بآخرين ربما اقل شهرة منهم ولا يتمتعون بالتاريخ الطويل من القمع الذي مارسه نظام الاسد الاب فالابن تباعا خلال ما يزيد على اربعين عاما بالارتكاز الى هؤلاء الرموز او وضعهم في الواجهة. كما ليس واضحا اذا كان تحلل الرئيس السوري من “رجاله الاقوياء” بطريقة عنفية في غالب الاحيان يمكن ان يضمن له قبولا من المعارضات السورية من اجل ان يبقى في المرحلة الانتقالية من ضمن الافكار التي تثار او تطرح على المعارضة على ان يكون بقاءه لفترة محددة جدا مرهونة بعوامل وشروط عدة، وذلك على رغم التأكيدات الاميركية والغربية بأن لا مكان للاسد في مستقبل سوريا في مقابل تأكيد روسيا انها لا تزال داعمة للقيادة السورية. فالتأكيدات من هذه الجهة او تلك لا تعبر عن حقيقة المداولات التي تجري على اي مستوى كان. اذ ان السقوف المرتفعة هي امر معهود استباقا لاي مفاوضات يراها البعض محتملة جدا وضرورية بعد انهاء المفاوضات مع ايران وفتح ملف دول المنطقة فيما يراها آخرون مستبعدة اقله في ظل ما تبقّى من ولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما. لكن الاحتمال الاول اي إمكان انتقال البحث لاحقا الى ملفات المنطقة يبقى الاكثر ترجيحا في ضوء اعتبارات متعددة من بينها انه يصعب على هذه الدول الهرب من استحقاقات مصيرية وليس في مصلحة اي من هذه الدول المراوحة في المكان نفسه. ولذلك لا يعتقد ان أيا من الجهات المعنية اكانت الولايات المتحدة او روسيا او الدول الاقليمية يمكن ان تعمد الى تسليم اوراقها قبل اي تفاوض خصوصا اذا كان هذا الاحتمال ممكنا في المدى المنظور اي ما بعد الاتفاق مع ايران على ملفها النووي بالتزامن مع خشية متعاظمة على تراجع النظام وبروز مؤشرات على احتمال انهياره في مقابل تقدم تنظيم الدولة الاسلامية وسيطرته على الجزء الاكبر من سوريا.
تستقطب التطورات الميدانية في مناطق سورية عدة وحساباتها راهنا الاهتمام على “كل رجال الرئيس” السوري ومصيرهم وذلك من زاوية التقدم الذي احرزته المعارضة او حتى تنظيم الدولة الاسلامية في مقابل تراجع النظام وعدم قدرته على ابقاء سيطرته على مناطق استراتيجية وحيوية بالنسبة اليه. ويغيب الكلام على احتمالات التسوية السياسية التي لن يأتيها الاسد ما لم تدق المعارك ابواب العاصمة السورية على رغم مساعي قام بها اخيرا الموفد الدولي ستيفان دوميستورا وزيارته سوريا، في حين تؤكد مصادر ديبلوماسية انه في وضع اصعب بكثير مما يتم الاعلان عنه. فالتوجه من جانب النظام طورا في اتجاه ايران من اجل المساعدة وطورا في اتجاه روسيا كما في زيارة وزير الخارجية وليد المعلم لموسكو قبل يومين والذي كان واضحا في طلب المساعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية للنظام تكشف عن دعم عملاني مختلف عما يعلن عنه إعلاميا من الجانبين الايراني والروسي ولو لن يسمحا بانهيار النظام وفق ما يعتقد كثر.