رُميت كرة إنتخابات رئاسة الجمهورية في ملعب المسيحيّين وتحديداً في ملعب رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.
يُدرك العماد عون والدكتور جعجع حجم الأخطار والتحدّيات الحقيقية التي يُواجهها اللبنانيون عموماً والمسيحيّون خصوصاً، وينطلقان منها ليخوضا معركة ضرورة وصول رئيس قوي إلى بعبدا، فيما يستمر مُخطط إعادة ترسيم خريطة المنطقة ودولها على أنقاض إتفاق سايكس-بيكو.
للسنّة في لبنان مرجعيَّتُهم، وللشيعة ولايتُهم، والحروب الدائرة من صنعاء الى المنامة وبغداد ودمشق هي حروبهم من أجل البقاء والهيمنة والنفوذ في الشرق الأوسط، أمّا المسيحيون فلا مرجعيّة خارجية لهم، ولا مشروعَ يجمعهم، ولا استراتيجية توحِّدُهم، ولا مشهد الدم والدمار في المحيط القريب يُخيفهم، ولا مأساة أخوانهم المسيحيِّين الذين يُقتلعون من جذورهم وتاريخهم تَهزُّهم، عِلماً أن لا ضمانة لأحد مما تُخبِّئه الأحداث والمتغيرات الإقليمية الكبرى.
تكاد تمرّ سنة على تعطيل رئاسة الجمهورية بسبب عجز أي فريق عن إحداث خرق في التحالفات السياسية الثابتة وتوفير غالبية الثلثين لإتمام عملية الإنتخاب، ولعجز أي قوى معنية عن تحرير هذا الإستحقاق الذي أُخذ ورقة للتسوية والمبادلة على طاولة المفاوضات الدولية-الإقليمية. غير أن غياب التفاهم المسيحي-المسيحي في هذه القضية منح القوى المعطِّلة ذريعة لتبرئة نفسها وإلقاء اللوم على «عناد المرشحين».
حاول عون وجعجع تعطيل هذا الإتهام، أولاً بإعلان جعجع إستعداده الإنسحاب إذا تمّ التوافق على مُرشّح توافقي، ثم بحوار هادئ وطويل بين مُمثلي الزعيمين المارونيّين، حتى توصلا الى إتفاق على ورقة «إعلان نوايا» ستُعلن قريباً، كما هو معروف. لكن الجديد هو مفاجأة يُعدّ لها الرجلان إعداداً دقيقاً، لأصدقائهم كما لخصومهم.
لقد انتظرا طويلاً وسمعا كثيراً، «وشبِعا» كلاماً في كلام. تبلّغا في كل اتصالاتهما مع السعودية وإيران والفرنسيّين والقوى السياسية المحلية موقفاً واحداً مفاده: فليتّفق المسيحيّون، وتحديداً عون وجعجع، على موضوع رئاسة الجمهورية، «فتمشي الأمور».
وآخر هذه الإتصالات كانت مع الفاتيكان الأسبوع الماضي، حيث تبلّغ وزير الخارجية جبران باسيل أنّ الكرسي الرسولي مُستعدّ لدعم المرشح الذي يتّفق عليه المسيحيّون في لبنان.
اليوم شارفت المفاوضات بين الفريقين المسيحيَّين المعنيَّين على الإكتمال، وأصبح اللقاء بين عون وجعجع وارداً في أي وقت، ولا يخضع إلّا لإعتبارات أمن الدكتور جعجع في التنقل.
وهناك من يهمس أن الرجلين يقتربان من أن يُعلنا أنهما اتّفقا في موضوع رئاسة الجمهورية، (يجري العمل على بعض النقاط التقنية) لكي يضعا الجميع أمام الأمر الواقع وأمام مسؤولياتهم، وبالتالي ليتّضح مَن سينزل إلى مجلس النواب، ومَن سيبحث عن ذرائع أخرى للتهرُّب من الإستحقاق الدستوري.
أما ما مضمون الإتفاق بينهما فهو، هل ينسحب أحدهما للآخر؟ هل يتأمّن النصاب؟ هل ينسحب الإثنان؟ هل يستطيع عون وجعجع إحراج حلفائهما «حزب الله» و«المستقبل»؟ فهذا ما ستكشفه المفاجأة.
سيواصل العماد عون معركة التعيينات الأمنية وفي خلفيّتها الإنتخابات الرئاسية. يرفض إتهامه بتعطيل الرئاسة بإصراره على التمسّك بترشيحه، كما يرفض مقولة أنه لا يجوز أن ينال قيادة الجيش للعميد شامل روكز ورئاسة الجمهورية له.
يبتسم ويقول: أين هما هذان المركزان؟ لم نحصل لا على هذه ولا على تلك. ويضيف أنه لن يُفاوض على شيء، لأنّ العميد روكز هو قيمة في حدّ ذاته وليس للمبادلة.
ولكن … هل تغيّر المفاجأة المكتوب؟!.