IMLebanon

ما هي نصائح السفارة الاميركية لقيادات 14 آذار؟

اهتزت مشاعر المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، وتغير لون وجهها، بعد ان تسلمت من سفارة بلادها في بيروت الترجمة الحرفية لرسالة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع المنشورة في صحيفة محلية، وفي طياتها «دروس» و«نصائح» حول الموقف الالماني من سوريا، والتبدل الحاصل من بقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة، الوقت متأخر جدا في برلين، اعضاء الحكومة نيام، وكذلك نواب الامة، ما العمل، انها لحظات صعبة، ساعات مريرة مرت ببطء، انبلج» الفجر، استدعت «المرأة الحديدية» عددا من مستشاريها واعضاء مقربين من الحكومة، اتوا على عجل بملابس النوم، تحلقوا جميعا حول تلك الرسالة، وغرق الجميع في نوبة ضحك هيستيرية خرقت اجواء الصمت في العاصمة الالمانية…. هذا السيناريو الواقعي «المتخيل» يعكس حالة «التصحر» «والضحالة» في اداء عدد من القيادات اللبنانية، وليس صدفة ان معظمها من فريق 14آذار، هي معذورة كما تقول اوساط ديبلوماسية في بيروت، الاحداث تتسارع بما لا يتناسب مع قدرتهم على اللحاق بها، ذهبوا الى «اسرتهم» على وقع سجال بين اوباما ونظيره الروسي، استبشروا خيرا، ساعات قليلة مرت واكتشفوا ان كلام الليل يمحوه النهار، بوتين على ما يبدو اصبح الآمر الناهي في الملف السوري، نال قبل ساعات تفويضا بالاجماع من نواب الامة للتدخل العسكري، تزامنا اعلنت واشنطن «تعليق» خطط تدريب المعارضة السورية «المعتدلة»، ثمة «خارطة طريق» يتم العمل عليها بين موسكو وواشنطن، وفقا للمثل العربي الشهير «القافلة تسير والكلاب تنبح».

السعودية تبدو وحدها خارج «اللعبة»، تعترض «وتحرد»، بحسب الاوساط نفسها، ترفض اي حديث ثنائي او جماعي مع ايران، تريدها خارج «الصورة» نهائيا، وزير خارجيتها عادل الجبير وافق في اجتماع الدوحة مع نظيريه الاميركي والروسي على «كل شيء» الا على فتح قنوات اتصال مع طهران، ارتضت موسكو بلعب دور الوسيط، الى حين تهدء فورة الغضب السعودية، جاءت كارثة منى المأساوية لتزيد من حدة الازمة، ازدادت الامور تعقيدا، المملكة اظهرت مشاعر حقد دفين في تعاملها مع الضحايا والجرحى، ثمة جرح مثقل بالدماء فتح على مصراعيه، الايرانيون في ذروة «الغضب» غير المكبوت، السعوديون يمرون في مرحلة غير مسبوقة من «البلادة» المصحوبة بانعدام القدرة على حسن قراءة المشهد الاقليمي والدولي، هم مذعورون من الانسياق الاميركي الاعمى وراء موسكو وطهران، ينتابهم القلق من انزلاق الحرب في اليمن الى متاهات غير محسوبة النتائج، «البيت الخليجي» يتفكك، لا يملكون سوى انكار الوقائع وتسويف الردود بانتظار «لا شيء» سوى رهان على «لعبة الوقت».

هذه الخلاصة متجذرة في اذهان قيادات قوى 14 آذار، ووفقا لتلك الاوساط فان الجميع مقتنع بان ثمة ازمة في القرار السعودي، الاتصالات مع السفارة الاميركية في بيروت تفيد بذلك، ثمة نصائح قدمها السفير الاميركي لبعض الاصدقاء بالابتعاد قليلا عن الالتصاق بسياسة المملكة، كي لا يكون «الثمن باهظا»، المطلوب فقط ايجاد مساحة مقبولة قد تكون مفيدة في المرحلة المقبلة. في هذا الوقت هناك من حاول جاهدا التوصل الى اجابات عبر الاتصال بالسفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري، لا شيء واضحا سوى كلمات «طمأنة» غير مقرونة بوقائع مقنعة، رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة يوحي لمحدثيه ان تشدده «وحي يوحى» من قيادات المملكة التي تعرف وحدها ان المصلحة تقتضي الاستمرار بحالة المراوحة الراهنة في بيروت، طبعا السنيورة لا يملك اي معطيات، لكنه يواصل اعطاء محدثيه جرعات تفاؤلية خلاصتها انه مهما ساءت الظروف فان قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» ستطبق في لبنان. اما من يحاول الحصول على اجوبة دسمة من الرئيس سعد الحريري فيصاب هذه الايام بخيبة امل، لانه لا يسمع غير كلمة «انشاالله خير» المطلوب الصمود. بالمناسبة هذه الكلمات سمعها موظفوه على مدى اشهر طويلة من غياب الرواتب دون ان يأتي «الخير».

ووفقا لتلك الاوساط، فان المشكلة الراهنة تكمن في ان من يمسك القرار الفعلي في السعودية يريد ان يربح في اليمن، ولا يخسر في سوريا، دون ان يعطي شيئا في لبنان، وهذا الامر يعاكس موازين القوى في المنطقة، لكن ثمة من يريد مواصلة «المغامرة» التي باتت مصدر «ازعاج» لحلفاء الرياض حتى الخليجيين منهم، ووفقا للمعلومات ابلغ القطريون السعودية ان الحسم العسكري في اليمن ستكون نتائجه باهظة ولن ينتهي قريبا، اما ربح المعركة عسكريا في سوريا فبات اقرب الى المستحيل، الولايات المتحدة تغيرت مصالحها بعد الاتفاق النووي مع إيران، ثمة حاجة الى حوار استراتيجي مع طهران قبل فوات الأوان. لكن المملكة لم تصغ الى «نصيحة» امير قطر الذي اضطر الى «احراج» المملكة علنا، وبايعاز من واشنطن، فاعلن من نيويورك استعداد بلاده لاستضافة حوار بين إيران ودول الخليج، ولم يكتف أمير قطر بتوجيه هذه الدعوة، لكنه قدم تشخيصا لطبيعة الصراع، نافيا ان يكون صراعا سنيا شيعيا بل وضعه في اطار الصراع السياسي الذي يمكن تسويته. وهذا ما يتناقض مع اللهجة «الحادة» السائدة في التصريحات الرسمية ووسائل الاعلام السعودية التي تواصل «شيطنة ايران» وكيل الاتهامات لها من دون اي حساب لخط الرجعة.

هذا «الخرق الخليجي» سيكون «اول الغيث» برأي تلك الاوساط، فثمة محاولات جدية لانجاح هذا الحوار لما سيمثله من فرصة فريدة لمناقشات تتجاوز العلاقات المباشرة بين ايران ودول الخليج الى ملفات اقليمية صعبة مثل سوريا واليمن والعراق ولبنان، لكن طهران المتوجسة من دور حلفاء واشنطن لا تزال تفضل ان تلعب مسقط هذا الدور رغم عدم «اغلاق الباب» امام امير قطر المطالب بتقديم الافعال لا الاقوال، وقد يكون خطابه الاخير «دفعة» اولى على الحساب قبل الجلوس على طاولة الحوار.

وانطلاقا من هذه المعطيات، جاءت «النصيحة» الاميركية التي سمعها اكثر من قيادي في 14آذار، لكن الابتعاد عن السعودية «انتحار» سياسي لهؤلاء لان واشنطن لم تعد الملاذ الآمن في لحظات التخلي عن الحلفاء في المنطقة، ولذلك فان التصاق قوى14 آذار بالخيارات السعودية حتى لو كانت على «العمياني»، امر لا مفر منه، فالدوحة خرجت من دائرة التأثير بطلب من الرياض، بعد التفاهم مؤخرا مع تركيا على توحيد الجهود الامنية والعسكرية في سوريا، رئيس الحكومة تمام سلام عاد من نيويورك بانطباع حاسم يفيد بان لبنان في آخر قائمة الاهتمام الدولي، الولايات المتحدة ومن زاوية المصالح الاسرائيلية، لا يعنيها سوى حزب الله، اما اوروبا فجل اهتمامها هو بقاء اللاجئين السوريين على الاراضي اللبنانية وعدم تدفقهم الى اراضيها. طبعا ثمة حرص على استقرار الوضع الامني، لكن دون ضمانات جدية تسمح بتفادي اي انزلاق نحو الاسوء اذا ما وقع حدث كبير قد يصعب تفادي تداعياته.

هذا ما سمعه اكثر من قيادي لبناني في الايام القليلة الماضية. وانطلاقا من هذه «البطالة» السياسية يمكن فهم تمضية الحريري جل وقته على «تويتر» للرد على السيد حسن نصرالله، ويمكن ايضا فهم «بكائيات» جعجع على صفحات «الجرائد». وقد يكون من المفيد التذكير ان عددا من قيادات النخبة العسكرية في حزب الله بدأ بتقديم اسهاماته في غرفة عمليات بغداد جنبا الى جنب مع كبار الضباط الروس والعراقيين والسوريين….