لأنّ المسائل الشائكة والمهمة جداً يتعذّر تحويلها الى بنود على جداول الأعمال فقد اقتصر دور طاولة الحوار الوطني على التصدّي لموضوعي قانون الإنتخابات النيابية، والإستحقاق الرئاسي. طبعاً هذا لا يعني أن هذين الموضوعين ليسا مهمين… ولكن لأن التعامل معهما ليس «تابوو» مثل مسألة سلاح حزب اللّه، وقد سلم الجميع بعدم طرحها، ومسألة الإنخراط في الصراع العسكري الدائر على الأراضي السورية.
هل سقط الحوار نهائياً؟
ربّما لا يزال ممكناً «استدراج» المتحاورين الى الطاولة. ولعل الرئيس نبيه بري، بما عرف عنه من مراس ومرونة وقدرة على خرق الصعاب، سيجد مدخلاً…
ولكن الواقع يقتضي الإعتراف بالآتي:
أولاً- كان معروفاً منذ البداية، وحتى من الرئيس نبيه بري بالذات، أنّ هذا الحوار لن يوصل الى نتيجة. وفي المقابل ليس مجرّد تقطيع وقت، إنما أصر عليه عساه يكون صمّام أمان يمتص ما أمكن من الصدمات.
ثانيا – إن حواراً لا يتعامل مع القضايا الأساس الكبرى ليس حواراً تؤمل منه النتائج. ولـمّا كان التعاطي مع تلك القضايا مستحيلاً… فالنتيجة التي وصل اليها الحوار (وهي لا نتيجة عموماً، إنما مجرّد لقاءات) هي أقصى ما يمكن التوصل إليه.
ثالثاً – في ظل الفراغ الرئاسي والتعطيل شبه الشامل على صعيد السلطتين التشريعية والتنفيذية، لا مناص من أن يطرح السؤال ذاته بذاته: وماذا بعد؟!.
هذا هو السؤال المركزي الذي سيكون وقعه الكبير قاسياً على الرؤوس كلها، الحارة والباردة على حد سواء.
وهل يستمر البلد، هكذا، الى ما لا نهاية؟
وماذا إذا، لسبب أو آخر من الأسباب المعلومة، وصلنا الى الربيع المقبل، وقد إنتهت الولاية الثالثة لمجلس النواب: (الأولى ولايته بوكالة الناس، ولايته الثانية بتمديد سيد نفسه لنفسه مرة أولى، والولاية الثالثة بالتمديد لنفسه مرة ثانية)؟
أجل! ماذا لو وصلنا الى الربيع من دون مجلس نواب، وبالتالي من دون رئيس للجمهورية.
… وأما الحكومة فحالها حال! ومع ان أحداً لا يضمن، بقاءها وصمودها من «الفرفطة» حتى موعد إنتهاء ولاية المجلس النيابي، فإنها ولو بقيت، فهي عاجزة عن حل أبسط المسائل، فكيف بكبيرها؟!
فهل هناك من يتبصر في تداعيات هذا الموضوع المعلوم من الجميع؟!
إن لبنان في شرذمة كبيرة.
وهو، مع ذلك، في أوضاع اقتصادية مزرية جداً.
وفوق هذا وذاك وقبلهما، فلبنان يفقد، تدريجاً، الميزات التي أعطته فرادة استحقها عن جدارة، يوم كان فيه رجال قادرون! وبالتالي فهو بات في آخر القوافل: القافلة الدولية والقافلة الآسيوية والقافلة العربية…
لقد «نجح» قادتنا الأشاوس في دفعنا الى «اسفل السافلين»… صرنا في قعر العالم الثالث… عشر. ويكفي أن يستقل المرء سيارته فما أن يغادر مقره بأمتار قليلة حتى يتبين له (من مسار الشارع والطرقات والزواريب) انه لم يعد من دولة في هذا الوطن الصغير المعذّب!
وهذا، كله، حكي قلناه سابقاً وقالوه ايضاً، ونقول وسنقوله وسيقولونه كذلك… ولكن: الى أين؟ أو «ماذا نفعل الآن؟» بحسب السؤال الذي وجهه د. جعجع الى الرئيس السنيورة أمس.
وماذا لو تطورت الأمور الى سلبية أكثر؟
وماذا لو فتحنا أعيننا على الميليشيات في الشوارع؟ (ومن يستبعد ذلك فليسمح لنا بها!).
وماذا لو قرّر فلان من الناس أن يعين نفسه واحداً من أبوات الزواريب والأحياء وايضاً… المناطق؟
وماذا لو بات «التأسيسي» مطلباً أثيراً لدى غير طرف؟! وهو يحظى بتأييد شعبي لدى غير طيف…
إننا نحذّر. وسبق أن حذرنا كثيراً، لكن لا حياة لمن تنادي. إننا نريد أن نستنهض الهمم… الهمم في المجتمع المدني، ذاك القسم منه الذي لم يتلوث أو يتهاو بعد.