من انتخابات الرئاسة إلى مشروع التحالف
ما هي بدائل أهل التعطيل..؟
أن يتحوّل مبدأ التعطيل إلى ثقافة حزبية وسياسية، وإلى ممارسة يومية في شتى الملفات، فالمسألة تصبح مشكلة معقدة، لا تقتصر تداعياتها على الوضع العام في البلد وحسب، بقدر ما تصيب سلبياتها الأطراف المعطلة في الصميم، وتكشف عجزهم عن المعالجات الإيجابية، وعدم قدرتهم على استنباط الحلول الضرورية!
ويكاد التعطيل يصبح العنوان الوحيد لمرحلة سياسية بكاملها، بدأت عشية انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، من دون انتخاب الخلف في المواعيد الدستورية، وهي مستمرة منذ سنة ونصف السنة، مع شغور مُعيب في رئاسة الجمهورية، في ظاهرة لا وجود لمثلها حتى في أكثر البلدان تخلفاً في أفريقيا وأميركا اللاتينية.
وسرعان ما تحوّل التعطيل من أداة ضغط إلى ممارسة كيدية ودائمة، وصلت فيروساتها إلى المجلس النيابي، فعطلت الحياة التشريعية، وطيّرت نصاب ثلاث وثلاثين جلسة مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، وكادت تقضي على البقية الباقية من مصداقية الدولة اللبنانية، والتزامها بالمعاهدات والمواثيق الدولية، لولا تلك الجلسة اليتيمة لمجلس النواب، التي أقر فيها القوانين المالية وجملة من اتفاقيات القروض والهبات من الدول المانحة!
وذهب دعاة التعطيل إلى ضرب آخر المؤسسات الدستورية العاملة على تصريف أعمال الدولة، وتدبير شؤون الناس الحياتية، من خلال مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، وتعطيل إنتاجية الحكومة، وإطلاق حالة من الشلل والعجز في مختلف مرافق الدولة.
ولم يَنجُ ملف النفايات من هذه الممارسات الحاقدة والبشعة، فكان التعطيل المفاجئ يضرب، في آخر لحظة، كل خطة يتم التوافق عليها!
* * *
وعندما لاحت فرصة أمام النائب سليمان فرنجية للوصول إلى قصر بعبدا، تنصّل جماعة التعطيل، وفي مقدمتهم التيار الوطني الحر، ومؤيدوه في نهج التعطيل المدمر، من التزامات وقرارات اجتماعات بكركي، وتنكروا للمحاضر الموثقة، وما تضمنته من تفاهمات، أبرزها تعهد «الأقوياء الأربعة» بتأييد أي واحد منهم يحظى بتأييد أكثرية نيابية، فكان أن هدروا فرصة إنهاء الشغور في المركز المسيحي الأوّل في الدولة، من دون أن يرفّ لهم جفن!
ولأن تعطيل الاستحقاق الرئاسي يتم تحت شعار «أنا.. أو لا أحد»، وتعطيل المؤسسات الدستورية الأخرى، يحصل تحت عنوان: «نحن قرار الدولة.. أو ستين سنة على الجمهورية والدولة»، فان الأزمة الفعلية مع الجماعة المعطلين، انهم يكتفون بهذه المواقف السلبية، وهم غير قادرين على طرح البديل، أو البدائل التي تستطيع إخراج البلاد والعباد من دوّامة الأزمات المتفاقمة، قبل السقوط في المهاوي القاتلة.
* * *
وما يقال عن تعطيل الانتخابات الرئاسية، والمؤسسات الدستورية، يقال مثله وأكثر عن محاولات انضمام لبنان إلى التحالف المحارب للإرهاب، والذي طرحه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في إطار تدعيم الجهود الدولية، وخاصة العربية والإسلامية، للتصدي للفكر والمنظمات الإرهابية، والتي تتستر برداء العروبة حيناً، وبالشعارات الإسلامية أحياناً أخرى، لتغطية أعمالها الشنيعة، والمنافية لأبسط مبادئ الشريعة السمحة، والإسلام منها براء.
المعارضون لهذا التحالف يُدركون أكثر من غيرهم، أن لبنان يُشكّل الحلقة الأضعف في مخطط محاربة التنظيمات الإرهابية، والذي يضم قاعدة عريضة من التحالفات الدولية والإقليمية، زاد تعداد دولها عن الستين بلداً.
والمعارضون أنفسهم، يُدركون أكثر من غيرهم، أن الدعم الدولي والعربي، وخاصة الهبتين من السعودية، قد ساعدا، وإلى حدّ كبير، في تعزيز قدرات الجيش اللبناني في التصدّي للتنظيمات الإرهابية، وردعها عن الحدود اللبنانية، بعد الثغرة التي أحدثتها في عرسال في مطلع آب من العام الماضي.
وفيما تتحالف الدول الكبرى، وتضع الخطط المشتركة للمواجهات اليومية ضد «داعش» وأخواتها، ينبري أهل مدرسة التعطيل للاعتراض على خطوة تُعزّز موقع البلد في معركته ضد الإرهاب، قبل أن يطلعوا على تفاصيل وخلفيات وبنية التحالف المقترح، وما يترتب عليه من مصالح ومسؤوليات.
ولم يُخبرنا أحد من المعارضين، كيف يكون وضع البلد أفضل، فيما لو بقي وحيداً في مواجهة الخطر الإرهابي، في حين تتكاتف جهود دول كبرى، تملك من الإمكانيات والجيوش الجرّارة أضعاف ما هو متاح للبنان، وتخوض معركة حسّاسة ومعقدة ضد التنظيمات الإرهابية، التي استطاعت توجيه ضربات موجعة في أكثر من دولة وعاصمة غربية، وفي فترة زمنية محدودة.
مرّة أخرى.. لا بديل، عند المعترضين، عن التعطيل!
وكأن المطلوب أن يبقى الوطن المعذب مُستفرداً، ويخاطر بأمنه واستقراره، بوضع نفسه، كما يريد المعترضون، بين سندان الإرهاب، ومطرقة العدو الإسرائيلي، الذي لا يفوّت مناسبة، من دون توجيه ضرباته للمقاومين، وما يلحقها بإنذارات للبنانيين، على نحو ما حصل في الغارة على الشهيد سمير القنطار، وما تبعها من تهديدات للجيش اللبناني المرابط في الجنوب!
فهل يعود أهل التعطيل إلى رشدهم قبل فوات الأوان؟