أسباب وعناصر عدة دفعت الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى فتح ابواب التحدي على مصاريعها مع الاسرائيليين رداً على اغتيال المقاوم التاريخي سمير القنطار وذلك عندما تعمّد ان يركز على رد عابر للحدود والساحات، واستطراداً عابر لقواعد اللعبة المألوفة منذ عقود، وعندما تحدث طويلا عن اهمية تجربة المقاومة التي تنكّب القنطار مهمة ارسائها على الحدود بين سوريا والجولان المحتل، واستتباعا عندما استخف بالتداعيات التي يمكن ان تنجم عن الرد الحتمي على الفعل الاسرائيلي.
وثمة من يضع في مقدم هذه الاسباب والعناصر التحول الدراماتيكي للوضع في الميدان السوري والذي بدأ يتكرس بوضوح منذ فترة، وتحديدا بعد التدخل الروسي المباشر وصدور قراري مجلس الامن الرقمين 2253 و2254.
فالسيد نصرالله، كما قيادة المحور الذي يشكل قطب الرحى فيه، رأى ان اسرائيل حاولت عبر اغتيالها للقنطار في هذا التوقيت بالذات ان تكرس نفسها شريكا فاعلا في المشهد السوري الذي بات يرسم لنفسه معالم جديدة مفصلية وتحولية وينطوي على مفاجآت واحتمالات عدة.
لا ريب في ان هناك تحسسا اسرائيليا زائدا من عملية تنامي مقاومة على حدودها مع سوريا توجه الانظار مجددا نحو الجولان السوري المحتل وفق ما لفت اليه نصرالله، لكن قيادة المحور اياه على يقين اكثر من اي وقت مضى من ان العقل الاسرائيلي ما تجرأ على دخول هذا التحدي الصعب مع الحزب الا لانه وجد ان المحور المعادي له بدأ يتصرف من موقع المنتصر في سوريا، وبعدما لمس ان ثمة قرارا روسيا _ اميركيا باجتثاث كل ما يمكن ان يقف عائقا امام مسيرة التسوية السياسية في سوريا المتعايشة مع وجود الرئيس بشار الاسد في رأس هرم السلطة في سوريا وفق ما تبدى بوضوح من خلال تحول لهجة الخطاب الاميركي – الغربي حيال بقاء هذا الرجل في الموقع الذي يشغله منذ عام 2000.
في القراءات الداخلية لهذا المحور انه ما كان لشخصية بحجم زهران علوش ان تشطب من المعادلة العسكرية التي تحاصر العاصمة السورية منذ اكثر من اربعة اعوام لو لم تكن هناك عملية تعاون استخباري واسعة تقاطعت عليها اجهزة امنية عدة لا يستبعد ان تكون في عدادها اجهزة غربية.
وما كان لاتفاق بحجم تعقيدات اتفاق الزبداني – الفوعة وكفريا ان تمر مرحلته الثانية لو لم يكن هناك قرار باتمام جملة مصالحات بدأت تشق طريقها في بلدات عدة محيطة بدمشق بعدما تعثرت سابقا في المراحل الاولى من تطبيقها، وكلها تحت عنوان اساسي هو اطفاء بؤر التوتر والصراع في المناطق المتاخمة للعاصمة والمدن الاساسية مثل حمص وحماه وحلب توطئة لحصر المسلحين في محافظتين سوريتين تمهيدا لاخراجهم من معادلة الصراع وفتح ابواب التسوية الموصدة والطرق المسدودة والتي تحظى برعاية روسية – اميركية.
وفي السياق عينه، لم يكن امرا عابرا ان يقضى على علوش وما يجسده من ارتباطات ورهانات اقليمية رفعت الرجل الى مرتبة الاسطورة غداة ايام معدودة على مؤتمر للمعارضات السورية في الرياض، ومن ثم غداة قراري مجلس الامن المتصلين بالازمة السورية. هي اذاً رسالة جلية في كل الاتجاهات وخصوصا لاولئك الذين ما برحوا عند رهاناتهم وحساباتهم الاولى.
في ظل كل هذه الوقائع اتى الدخول الاسرائيلي على الخط السوري من خلال استهداف القنطار وما يرمز اليه في العمق السوري ليكون بمثابة طرق اسرائيلي ثقيل على ابواب التسوية المتدحرجة في الساحة السورية ولبعث رسالة الى من يعنيهم الامر جوهرها انه قادر على خربطة المعادلات اذا ما حيكت خيوط التسوية السورية بمعزل عن مصالحه الاستراتيجية.والاسرائيلي في هذه الحال يقول انه يرفض التعايش مع انتصار للمحور المعادي له من دون ان تعطى له ضمانات وتعهدات من فوق الطاولة او من تحتها.
وفي الزوايا المعتمة للرسالة الاسرائيلية كما قرأتها قيادة محور المقاومة الآتي:
– إن العملية مقدمة لها ما يليها من تدخلات واعتداءات.
– إن اسرائيل تعرب من خلالها عن استعدادها لجبه رد الحزب المرتقب، واستطرادا فتح ابواب الاحتمالات لخربطة معادلات قيد الرسم وخطط في طور التنفيذ.
– إن العملية في ذاتها هي حلقة من حلقات التحدي والاختبار والتجريب التي تضطر تل ابيب الى اجرائها دوريا مع “حزب الله”، خصوصا عقب توجهاته الجديدة في الساحة السورية، حتى اذا ما امتنع عن الرد حشرته في الزاوية واظهرته بمظهر العاجز والمكبل والمثقل، لا سيما بعدما تعاظم دوره الاقليمي وكبر موقعه في الداخل اللبناني فسد السبل سريعا امام تسوية رئاسية شارك في وضعها اقطاب ثلاثة ارادوا امرارها على عجل.
وعليه، ولان نصرالله ادرك بعمق أبعاد الفعل الاسرائيلي من خلال عملية اصطياد القنطار، ولانه مضطر الى ان يعمل ما في وسعه لردع اسرائيل عن المضي قدماً في عملية “كي الوعي” الهادفة الى تطويع وجدان جمهور الممانعة وجعله يتقبل عجز المقاومة من جهة وقدرتها على التفوق العسكري، فان نصرالله استهدف من خلال مضامين خطابيه المتتاليين في اربعة ايام بعد سقوط القنطار، اطلاق رسالة تنطوي على الاتي:
– إنه عازم على توسيع حدود الرد والتحدي ولو اقتضى الامر ميادين وساحات غير مطروقة بعد.
– إنه مستعد لتقبل تداعيات اي رد اسرائيلي على رده، اذ لم يعد خافيا بالنسبة اليه ان الرأي العام اللبناني بات متقبلا لفكرة ترابط الساحتين اللبنانية والسورية ولم يعد يقيم كبير اعتبار لمقولة النأي بالنفس وصخب المتمسكين بها.
وباختصار، ليس بامكان نصرالله الا ان يرسم حدودا للعبث الاسرائيلي المحتمل في معادلات الساحة السورية لانه على علم بان الدولة العبرية تستطيع ان تكون الاحتياطي الذي يتصدى لخطوط التسوية في الساحة السورية والتي من شأنها إن اكتملت فصولا ان تجعل الحزب في حلٍ من تدخله في سوريا.