Site icon IMLebanon

ما اسباب الفتور الانتخابي في بيروت؟

طرح المشهد الأول من الانتخابات البلدية والاختيارية لهذا العام، والتي جرت في محافظات بيروت والبقاع وبعلبك-الهرمل يوم الأحد المنصرم، مسألة تقاعس النوّاب الممدّدين لأنفسهم مرتين عن التوافق على قانون جديد للإنتخابات النيابية، كما سقطت مقولة تأجيل هذه الأخيرة أو عدم إجرائها لأنّ الظروف الأمنية وكذلك السياسية لا تسمح بذلك.

فالإنتخابات البلدية والاختيارية رغم أنّه من المفترض أن تكون إنمائية وعائلية، بدت على ما تؤكّد أوساط سياسية مواكبة، دينية وطائفية تدخّلت فيها القوى السياسية فأفسدتها بدلاً من أن تُصلحها. فبيروت رغم العدد الهائل للمرشّحين المتنافسين على بلديتها الذين توزّعوا على خمس لوائح (لائحتان مكتملتان و3 غير مكتملة) كما على المقاعد الاختيارية فيها، ورغم احتجاج أبنائها أو بالأصحّ المقيمين فيها على أداء المجلس البلدي، وعدم قيامه بتحسين سوى الجزء الغربي من العاصمة، إذا صحّ التعبير، أبدت فتوراً واضحاً من خلال انتخاب 20.14 في المئة فقط من أصل ناخبيها الذين وصل عددهم الى نحو 476.021 ألف ناخب، وتعود أسباب هذا الفتور في بيروت، على ما أضافت، الى معطيات عدّة أهمّها:

أولاً، لا يؤيّد كلّ أبناء الطائفة السنيّة الذين يُشكّلون العدد الأكبر من ناخبي المدينة «تيّار المستقبل» الممثّل بمرشّحي رئيسه النائب سعد الحريري. ويجده البعض «دخيلاً» على أبناء بيروت كونه من صيدا أساساً، ويُفضّلون لائحة مدعومة من «بيروتي» اباً عن جدّ. وهؤلاء يمتنعون عن التصويت لعلمهم بأنّ أصواتهم لا يمكنها أن تقلب المشهد المسيطر رأساً على عقب.

ثانياً، يجد المسيحيون بغالبيتهم أنّ «الصوت المسيحي» لا يمكنه أن يؤثّر على نتائج الإنتخابات من الناحية العددية، وأنّ المرشّحين المسيحيين يفوزون بأصوات الناخبين المسلمين، وذلك في ظلّ وجود أكثر من مئتي الف ناخب سنّي وسبعين ألف ناخب شيعي (علماً أنّ «حزب الله» رفض المشاركة في بيروت بأي مرشّح من مناصريه)، ولهذا يقولون بأنّ المجلس البلدي طالع فينا وبلانا»، فلماذ إضاعة الوقت في التصويت ثمّ في انتظار النتائج التي يعتبرون أنّه مشكوك بامرها.

ثالثاً، لم يقتنع عدد لا بأس به من الجهة المؤيّدة للأحزاب المسيحية كيف جرى التوافق بين «المستقبل» و»التيّار الوطني الحرّ»، على سبيل المثال، بعد كلّ الخلافات السياسية القائمة بين التيّارين. ولهذا لم يُقدم هذا البعض على انتخاب «لائحة البيارتة» المدعومة من الحريري،، وإن أوعزت الأحزاب على انتخابها، إنّما مرشّحون من اللوائح الأخرى، الأمر الذي شتّت أصوات الناخبين الحزبيين.

رابعاً، عدم خوض «حزب الله» المعركة في بيروت، أضعف نسبة التصويت كون أصوات الناخبين الشيعة وصلت فيها الى 73 ألف، والجميع يعلم بأنّه لو خاضها لرفع من نسبة التصويت من جهة، كما بدّل قليلاً من المعادلة في حال توافق مع أحزاب وقوى مسيحية وسنيّة معارضة مؤثّرة على الساحة البيروتية من جهة أخرى، غير أنّه لم يفعل.

في المقابل، ترى الأوساط نفسها أنّ الانتخابات في محافظتي البقاع التي ضمّت 308.717 ألف ناخب، وبعلبك- الهرمل 303.102 ألف ناخب، أنّ المعركة الانتخابية البلدية والإختيارية في كلتيهما، لم تقتصر على العائلات والطوائف، أو على البرامج الإنمائية والإجتماعية والثقافية للمرشّحين، بقدر ما هدفت الى تحديد الأحجام السياسية على الأرض، وقد نجحت في ذلك.

ففي زحلة لم تنجح السيدة ميريام سكاف، رغم عراقة عائلة زوجها الوزير والنائب الراحل إيلي سكاف، في جلب العائلات الى صفّها، لا سيما وأنّها لم تتحالف مع الأحزاب المسيحية بل مع «تيّار المستقبل»، وفضّل الناخبون التصويت للائحة «إنماء زحلة» المدعومة من الأحزاب («التيّار الوطني الحرّ»، و«القوّات اللبنانية»). علماً أنّ اللائحة التي كانت مدعومة من الوزير سكاف في الدورة الماضية اي في العام 2010، قد فازت بـ 19 مقعداً من أصل 21 بعد تحالفه مع الأحزاب الشيعية أي «حزب الله» و«حركة أمل».

كذلك فإنّ المشهد لم يتغيّر في بعلبك- الهرمل حيث السيطرة لـ «حزب الله» الذي أظهر مجدّداً «مونته» على ناخبيه، وقدرته على تسجيل نسبة مرتفعة في الإقبال على الانتخاب وصلت الى 62% في بعلبك، و45% في الهرمل. الأمر الذي أكّد على أنّ الانتخاب هو حزبي وليس إنمائيا، رغم كلّ ما قيل خلاف ذلك.

ومن الجدير ذكره، أنّ ناخبي بيروت غالباً ما لا يُصوّتون للبلدية، على ما لفتت الأوساط ذاتها، وإن كانت مقسّمة الى ثلاث دوائر تسهيلاً لهم وللفرز وغير ذلك، وذلك بسبب كبر مساحة العاصمة نسبة الى القرى والبلدات، وعدم ثقتهم بأنّ المجلس البلدي سيكون قادراً على تلبية احتياجات المواطنين كافة،. في الوقت الذي يشعر أهالي القرى بحاجتهم الماسّة الى انتخاب مجلسهم البلدي نظراً لما يقوم به من خدمات مهمة لهم من تحسين الطرقات الى الإنارة وتأمين المال والكهرباء وغير ذلك.

وبرأيها، إنّ الإنتخابات النيابية يجب أن تكون على قاب قوسين من هذه الأخيرة، لا سيما بعد انتهائها في أواخر الشهر الحالي، إذ لا شيء يمنع من إجرائها ضمن فترة قصيرة، خصوصاً وأنّ الوضع الأمني الذي تتذرّع فيه الجهات السياسية لا بأس به، وخير دليل إجراء الإنتخابات البلدية في بلدة عرسال، البلدة الأكثر خطورة بالنسبة للمناطق اللبنانية كافة، وقد جرت فيها على خير ما يُرام.

وظهر جلياً أنّ عدم التوافق السياسي هو الذي «يُعرقل» أو «يمنع» إجراء الانتخابات النيابية، لأنّ ثمّة فريق سياسي يريد أن يتمّ انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتخاب المجلس النيابي الجديد، كونه يخشى من أن يأتي النوّاب الجدد خلافاً لما هي عليه اليوم القوى السياسية المسيطرة على المجلس، والتي من الممكن أن تؤثّر بشكل مختلف على انتخاب الرئيس.

وتقول الأوساط ذاتها، بأنّه لا يجب انتظار سنة كاملة بعد أي حتى حزيران من العام المقبل، لكي يتمّ التوافق على قانون جديد للإنتخابات من ضمن القوانين الـ 27 الموضوعة في أدراج مجلس النوّاب، بل إنّ الفترة طويلة جدّاً وكافية للإتفاق على القانون الجديد قبل انتهاء نصف المدة المتبقية للمجلس النيابي الحالي الممدّد لنفسه للمرة الثانية.

فالإنتخابات البلدية وإن لم تُظهر إقبالاً من قبل الناخبين، خصوصاً في مدينة بيروت، إلاّ أنّ الانتخابات النيابية قد تكون أفضل حال في المدينة لا سيما إذا ما تمّ التوافق على قانون إنتخابي يقوم على أساس النسبية، الأمر الذي يُشجّع الناخبين على الإقبال على صناديق الإقتراع، إذ من شأن النسبية تغيير المعادلة القائمة اليوم في المجلسين البلدي والنيابي، وكذلك النمطية نفسها التي اعتادوا عليه منذ سنوات سابقة عدّة.

أمّا إمكانية التغيير فلا يمكن أن تحصل، بحسب ما ذكرت، إذا ما استمرّ القانون على حاله، أو بقي النوّاب أنفسهم لعهد ثالث ممدّدا لهم، بل عن طريق قانون جديد، ووجوه جديدة وتبدّلات في المشهد السياسي، وفي حجم القوى السياسية المسيطرة على الحكومة الحالية، كما على مجلس النوّاب.