صدور القرار 2254 لا يعني فقط سوريا، وهو الذي رسم خارطة طريق لحل أزمتها. إنّما أيضاً لبنان معني بهذا القرار وبكل بنوده من وقف إطلاق النار، ومكافحة الإرهاب، وإرساء حل سياسي، والمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، فضلاً عن عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم وهذا هو الأهم.
أي أنّ لبنان، وفقاً لمصادر ديبلوماسية بارزة، معني بمتابعة تنفيذ القرار، ذلك أنّ استمرار الصراع له كلفته، والحل السياسي وشكله ومضمونه له كلفته، كما أنّ إدارة الصراع لها كلفتها. هناك مَن يقول إنّ القرار من شأنه إدارة الأزمة، ومَن يقول كذلك انّه فعلاً يجسّد الحل الذي وافقت عليه كل الدول الداعمة للأطراف المتصارِعة على أرض سوريا.
لكن لدى لبنان نحو مليونَي لاجئ سوري. وهم غادروا سوريا على أساس الوضع الأمني السيئ والقتل والدمار. ولبنان شارك في اجتماعات مجموعة الدعم حول سوريا والتي أوصلت إلى القرار 2254. إنّما الذي كان قد حضّر للقرار، اللقاء الذي جمع في موسكو وزير الخارجية الأميركي جون كيري والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي عُقد قبيل اجتماعات نيويورك لمجموعة الدعم.
لبنان ازاء كل ما يحصل على الصعيد السوري معني، إذ إنّه يفترض أن يتدخّل ويطرح ما يتناسب مع مصلحته الوطنية، وهذا ما فعلته وزارة الخارجية لدى صدور القرار ودعت الأمم المتحدة إلى أن تكون عودة اللاجئين ملزمة وغير طوعية كما ورد في القرار.
لبنان يتخوّف من العودة الطوعية. والمبرّرات أنّ دستوره يمنع التوطين، وأنّ لديه تجربة سابقة مع اللجوء الفلسطيني أرخت بثقلها على الوضع اللبناني ولا تزال ومن غير الواضح بعد مصير الفلسطينيين الموجودين على أرضه. كما أنّ لبنان يرفض أن تكون أي جهة أو بلد في اعتباره، أنه يمكن للبنان أن يكون بديلاً لوطن اللاجئين لأي سبب كان. مشكلة لبنان مع «العودة الطوعية»، أنّ لها بُعداً سياسياً وهو التوطين، وأنّ هناك العديد من مواطني الدول المجاورة في الأساس كانوا يحلمون في المجيء إلى لبنان والعيش فيه.
لكن لماذا وردت كلمة العودة الطوعية في متن القرار؟ تشير مصادر ديبلوماسية في الأمم المتحدة إلى أنّ القانون الدولي الإنساني يتميّز بمفهوم واضح لعودة اللاجئين، وهي العودة الطوعية، وغير العودة الطوعية يعني الترحيل القسري. وبالتالي يجب على الدول المهتمّة وهي من مسؤوليتها توفير ظروف العودة، فعندها يقوم اللاجئ طوعاً بالعودة إلى دياره. وهي مسؤولية تقع على عاتق الدول التي ستعمل لتطبيق القرار. إذ أنّه عندما يترك اللاجئ بلده يكون هناك خطر على حياته ووجوده من جراء الاعتبارات السياسية. فيكون عندها لاجئاً سياسياً. لكن إذا ترك بلاده لاعتبارات اقتصادية يكون عندها لاجئاً اقتصادياً.
خلال الحرب اللبنانية غادر العديد من اللبنانيين إلى دول أقاموا فيها لجوءاً، ولبنان لا يقبل بإعادتهم إلاّ طوعياً وليس ترحيلاً. وهذا في المفهوم الدولي ما ينطبق على التعامل مع اللاجئين السوريين. ولبنان بالتالي لا يقبل بعودة أبنائه من دول اللجوء إلاّ طوعياً. لكن مشكلة لبنان في الأعداد الضخمة التي يستقبلها من السوريين. كما أنّ مشكلته في انّ كلمة «الطوعية» أُزيلت من بيان فيينا، لكن لم تتم إزالتها من القرار 2254 الصادر تحت الفصل السابع. حدود المفهوم الطوعي في القانون الدولي لا تعني أنّ اللاجئ يتطوّع للعودة إلى بلاده، ولا تعني أيضاً أنّ لبنان يجب أن يتطوّع لتسهيل عودته. إنّما الطوعية تعني تشجيعه للعودة بإيجاد بيئة آمنة له في بلده.
وبالتالي، تفيد المصادر، أنّه لا يمكن عودة اللاجئ إلاّ طوعاً وهي لغة معتمدة في القانون الدولي. فإذا تحقق الاستقرار في سوريا، فلا يمكن أن تكون عودته إلاّ طوعية. أمّا إذا قرّرت الحكومة اللبنانية إعادته فهذا يعني الترحيل. المفهوم الطوعي يأخذ بالاعتبار انتفاء ظروف لجوئه وهذا من مسؤولية صانعي الحل جميعاً.
لبنان سيتأثر إذا ما طالت الحرب في سوريا لأنّ إطالتها تؤخّر تنفيذ القرار، وبالتالي تؤخّر عودة السوريين اللاجئين إلى بلادهم. القرار وإن كان يمثّل رغبة دولية بإيجاد حل لسوريا لكن الأمور ليست فورية، فهناك البُعد الاقليمي والدولي وهناك مهاجرون أو مهجَرون وما بينهما ومدن تحطّمت، ومهجّرون داخل سوريا وبناء قدرات الدولة وانتقال السلطة، والأهم في كل ذلك القدرة على وقف إطلاق النار.