في ضوء التطوّرات المتسارعة لبنانياً بعد إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته من الرياض واستمراره مقيماً فيها، يترقّب اللبنانيون الخيارَ الذي سيتّخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قريباً، ويكون الكلمة الفصل في شأن هذه الاستقالة. فماذا عساه يكون هذا الخيار؟
تنصّ المادة 29 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقّعة عام 1961 على الآتي: «لشخص الممثل الديبلوماسي حرمة، فلا يجوز بأيّ شكل القبضُ عليه أو حجزُه، وعلى الدولة المعتمد لديها أن تعامله بالاحترام اللازم له، وعليها أن تتخذ كافة الوسائل المعقولة لمنعِ الاعتداء على شخصه أو على حريته أو على اعتباره».
هذه الاتفاقية وقَّعها لبنان عام 1971، والسعودية عام 1981، وهي مبرَمة أصولاً، أمّا المادة 31 منها فتقول إنّ ممثّل الدولة يتمتّع بالحصانة القضائية الجنائية، فهل ينطبق هذا الواقع على رئيس مجلس الوزراء؟ خصوصاً أنّ هذه المادة تنطبق على رؤساء الدول والسفراء وممثّلي الدول؟
رئيس مؤسسة Justicia بول مرقص يوضح الخبير في القانون الدولي المحامي بول مرقص «أنّنا لو ذهبنا في هذه المادة إلى الفقه والاجتهاد الدوليين، من الممكن اعتبار أنّ هذه النصوص، وإن لم تسَمِّ رئيسَ الوزارء صراحة، تلحَظ حمايةً وحصانة له من أيّ اعتقال أو توقيف أو قبض عليه، ولو لم تكن هذه الحصانة ترقى إلى رئيس الدولة، إذ هو يتمتّع بهذه الحماية الدولية والديبلوماسية وإذا أبقينا الناحية القانونية المبدئية المفترضة.
إلّا أنّ البعض يطرح السؤال، طالما إنّ الحريري يملك جنسيةً أُخرى، تكون الجنسية في هذه الحالة (على افتراض حصول التوقيف) ليست هي محلّ التأثير، بل ودائماً، على سبيل افتراضي فإنّ الأفعال التي قد تُنسَب إلى المعني بها، أي افتراضاً رئيس مجلس الوزراء، تكون قد وقعَت على الأرض السعودية، فهناك أساساً صلاحية إقليمية وطنية وليست بسبب أنّه يحمل الجنسية السعودية.
فهذا الأمر تحجبه قواعد وأصول التعامل الديبلوماسي. أي أنه على رغم أنّ الحماية الدولية موجودة، فإنّ القصّة ليست قصة جنسية، بل الرابط المحلي الوطني يكون الصلاحية الأصلية للبلد، أي أنّ الجرم وقع في أرضها، لذلك لن تستقيم الحماية الدولية في هذا الوضع والتي تحجب الأولوية على الشأن الوطني، وفي الوقت نفسه لا تنفي أنّ هناك قواعد وأصولاً قضائية ساعتئذ يَسلكها البلد المعني وهي احترام الاتفاقية الدولية.
في المقلب الآخر إذا اتّضَح أنّ الرواية كانت مجرّد مزاعم، وأنّ الروايات التي تنشَر في بيروت على سبيل المثال اتّضَح أنّها كاذبة، وإذا تبيّن أنّ أهدافَها زعزعة الثقة بمكانة النقد الدولي، أي إذا كانت ترمي الى إضعاف سعر الليرة اللبنانية وزعزعة ثقة الجمهور بمتانة الدولة ودورها، فهذا يقع ايضاً تحت طائلة العقوبات وتحت المادة 319 من قانون العقوبات التي تصل العقوبة فيها إلى السجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات.
إنطلاقاً ممّا ذُكِر، وأمام الاتفاقات المبرَمة أصولاً من المملكة العربية السعودية ولبنان، وأمام هذه الأجواء المتشنّجة، ما هي خيارات رئيس البلاد؟
1 – دستورياً لا يمكن رئيس الجمهورية اعتبار رئيس الحكومة مستقيلاً لأنّه لا يملك استقالة خطّية، فربّما عدلَ رئيس الحكومة عن رأيه لاحقاً، إذ يجب عليه تقديمُ استقالته في كتابٍ خطّي، وهذه القواعد هي قواعد ومبادئ عامة في الدولة اللبنانية تَرعى هذا الموضوع. فيما يَلفت الخبراء القانونيون إلى أنّه حتى الأجير يقدّم استقالة خطّية فكيف برئيس الوزراء؟ ومِن المتعارف عليه أنّ الدولة لا تعمل بالاستقالة الشفوية فقط، لأنّ المستقيل شفويّاً قد يتراجع بعد ثنيِه عن الاستقالة بواسطة مستشارين أو حلفاء.
2 – الظروف القسرية: إذا تعذّرَ حضور رئيس الحكومة أمنياً، عندئذ يتفهم المعنيون الأمر ولا يمكن إجبارُه على المجيء، ويكون رئيس البلاد معذوراً إذا لم يقبل الاستقالة.
وفي هذا السياق، يقول المتابعون، إنّ رئيس الجمهورية حتى اليوم يُحسن التعاطي مع الاستقالة وقد تلقّفها بكثيرٍ من الدراية، لأنه إذا دعا إلى استشارات نيابية وعاد الحريري ليقولَ إنّه كان في ظروف أرغَمته على الاستقالة فكيف سيكون موقفه؟
وتجدر الاشارة «أنّ الدولة لا تتعامل بمنحى دستوريّ كهذا»، لافتاً إلى أنه «إذا لم يكن هناك تجاوُب خارجي، وإذا أرادت العجَلة السياسية في لبنان إكمالَ دورتِها الطبيعية، خصوصاً إذا طالت الأزمة، وأُريدَ تشكيل حكومة، يمكن لرئيس الجمهورية اللجوء إلى خيارات أخرى نصّت عليها المادة 69 من الدستور، ومنها:
1 – إستقالة 11 وزيراً أو ما فوق، وعندئذ تُعتبَر الحكومة مستقيلة ولو لم يقدّم رئيس الوزراء استقالته وفقاً للأصول، ويستطيع إذ ذاك رئيس الجمهورية أن يبنيَ على هذه الاستقالة ليَعتبر أنّ الحكومة مستقيلة حكماً وبالتالي يدعو إلى استشارات نيابية.
2 – طرح المجلس النيابي الثقة في الحكومة. إنّما يُعتبَر هذا الأمر صعباً في الوقت الراهن ومعقّد أكثر من الناحية الدستورية. ويبقى الأسهل، وخصوصاً إذا طال تعليق عجَلة الحكم وغَدت قضايا اللبنانيين والانتخابات النيابية معلّقة، فالأفضل اللجوء الى الحل ّالأوّل، خصوصاً بعد إعطاء فرصة للحلّ السياسي من دون التوصّل إليه، عندئذٍ من الأسلم أن يُقدّم 11 وزيراً استقالتهم.
ويقول الخبراء القانونيون أنْ ليس من الصعوبة تأمينُ هؤلاء الوزراء في ظلّ حدّ أدنى من التوافق السياسي لتُعتبرَ عندها الحكومة مستقيلة، وبذلك يستطيع رئيس الجمهورية بعدها الدعوة إلى استشارات نيابية، ويكون بالتالي في مأمنٍ عن أيّ خطأ دستوري أو خَلل في الأداء.
أمّا بالنسبة إلى المهَل، فيوضح الخبراء «أنّ القانون لم يلحَظ أيَّ مهلة محدّدة لرئيس البلاد، بمعنى آخر، لا مهلَ دستورية للرئيس. لكنّ مصادر مواكبة تلفت إلى أنّه لا يمكن الرئيس، خصوصاً بعد إعطائه فرصةً للحلّ السياسي ولم يتّضح هذا الحلّ، تركُ الناس معلّقين والانتخابات في مهبّ الريح، فاللبنانيون يتفهّمون إعطاءَه مهلةً معقولة للحلّ، لكن إذا لم ينضج حلّ، لا بدَّ له من أن يحسم أمرَه، إلّا إذا أراد من موقعه المتريّث أن يقاوم فرضية تقييد حركة رئيس الوزراء من باب الضغطِ والتمسّك بموقف سيادي، أي تحرير رئاسة الحكومة من القيود… أمّا التريّث للتريّث فهو ليس بموقف قانوني».