اعتاد اللبنانيون العيش في دائرة الخطر بشكل دائم، سواء في لبنان بلدهم الأمّ، أو في الاغتراب، خصوصاً دول الخليج، بسبب المماحكات السياسية الداخلية، والتي تؤدي احيانا الى شظايا تطاول الدول المضيفة للقوى العاملة اللبنانية.
لا شك في ان الدول المضيفة تحتاج مهارات وشهادات وأدمغة اللبنانيين الذين ساهموا بشكل رئيس، في ازدهار مؤسسات وشركات تلك الدول، خصوصا الخليجية منها، وحفّزوا نموّها الاقتصادي. وفي المقابل، لا شك في ان اللبناني يحظى بمكانة خاصة في عقول وقلوب الخليجيين شعبا وقيادة. لكن المصلحة المشتركة بين الطرفين لا تكفي وحدها لحماية ديمومة هذه الشراكة، في حال أمعنت السياسة في ضرب هذا «التحالف» الموضوعي.
يبقى السؤال: هل أن وجود اللبنانيين في دول الخليج مُهدّد فعلا، بعد إعلان موقف لبنان الأخير في موضوع التعدّي على السفارة السعودية في إيران.
قد تكون هذه الموجات ناتجة عن خطر حقيقي يهدّد فعلاً اللبنانيين العاملين في السعودية والبالغ عددهم حوالي 350 ألفا، كما انها قد تكون حملة سياسية مبرمجة، كما يقول البعض، علماً أن تلك الدول لم تبادر الى اتخاذ أيّ إجراء بحق اللبنانيين المقيمين فيها منذ عشرات السنين، بعد الحملة التي شنَّها أمين عام حزب الله حسن نصرالله على المملكة العربية السعودية، على خلفية «عاصفة الحزم».
في هذا السياق، اعتبر رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية السعودية ايلي رزق أن علامات السخط والاشمئزاز وخيبة الأمل بدأت تظهر جليّاً على المواطن السعودي، من المواقف الرسمية اللبنانية التي تنأى بنفسها عن الاجماع العربي لمواجهة تحدّيات من دول خارجية تعبث بأمن واستقرار دول عربية، «لا بل ذهبت الى القيام باعتداء سافر على السفارة السعودية في ايران، الامر الذي حشد إدانة من قبل كلّ المجتمع الدولي والقيادة الايرانية نفسها، بينما اعتمد لبنان سياسة النأي بالنفس».
وأوضح رزق لـ«الجمهورية» ان هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية السعودية موجودة اليوم في جدّة للتأكيد على أواصر العلاقات الاخوية والاجتماعية والاقتصادية بين الشعبين اللبناني والسعودي، «خصوصا ان المستثمر السعودي له أيادٍ بيضاء في تنمية الاقتصاد اللبناني وتنشيط القطاعات السياحية كافة».
وبالتالي، رأى رزق ان غياب السائح الخليجي، خصوصاً السعودي، يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي في لبنان «وهذا ما تؤكّده الأرقام الاخيرة بعد امتناع السياح الخليجيين عن زيارة لبنان».
وأعلن أن الهيئة تعمل قدر المستطاع على التخفيف من الانعكاسات السلبية للقرارات الحكومية اللبنانية، متمنياً على الحكومة التأكيد على ان اعتماد سياسة النأي بالنفس يُطبّق في حالات نشوب أي صراع عربي – عربي، ولا يعني أن ينأى لبنان بنفسه عن قضايا الأمّة العربية المحقّة، «وهذه فقرة مذكورة في الدستور اللبناني».
وبالنسبة للمخاطر التي تتعرّض لها الجالية اللبنانية في السعودية نتيجة المواقف والتصريحات اللبنانية، اشار رزق الى عامل المنافسة الأجنبية والآسيوية القائم في السنوات الاخيرة في دول الخليج، بات يشكل تهديدا للجالية اللبنانية، «ولم يعد الوضع كما كان عليه في التسعينيات حيث كان اللبنانيون يترأسون منفردين كل القطاعات الاقتصادية في دبي على سبيل المثال».
وأشار رزق الى ان آخر تصريح صادر عن أمين عام حزب الله حسن نصرالله، استدعى قيام الجالية اللبنانية الممثلة بمجلسي العمل في الرياض وجدّة، بزيارة المسؤولين السعوديين، وكان هناك تأكيد أيضا من قبل قيادة حزب الله على التوقف عن التعرّض للقيادات السعودية.
ولفت الى ان الخطوات التي يقوم بها رجال الاعمال اللبنانيون هي التي تساهم دائماً في تخفيف وطأة التصريحات، «علماً ان وطأة صدور موقف من قبل أي رئيس حزب لبناني، تختلف عن وطأة صدور موقف رسمي من قبل الحكومة اللبنانية».
وشدّد رزق على أهمية المحافظة على العلاقة الجيّدة مع المواطن السعودي، لأن الغالبية العظمى من اللبنانيين المقيمين في السعودية عاملين في القطاع الخاص وشركاء لمواطنين سعوديين، ويتمتّعون بامتياز عن بقية الجنسيات الاخرى العاملة في السعودية.
واعلن ان رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير سيعلن الاسبوع المقبل عن خطوات ملموسة لتدعيم وتقوية وتنمية العلاقات اللبنانية السعودية، وتتضمن الاعلان عن زيارة وفد اقتصادي للقاء مسؤولين سعوديين.
مجلس العمل والاستثمار اللبناني
في هذا الاطار، وجّه مجلس العمل والاستثمار اللبناني في المملكة العربية السعودية إلى الحكومة اللبنانية بياناً، أشار فيه الى ان نأي لبنان بنفسه عن إدانة الهجوم على السفارة السعودية في طهران والقنصلية، وكذلك نأي الخارجية اللبنانية بنفسها عن إدانة التدخل الخارجي في الشؤون العربية عامة، والسعودية خاصة، «قد ضرب عرضَ الحائط بالدستور الذي يحكم عملها تجاه مواطنيها: مقيمين ومغتربين».
واعتبر المجلس ان «سياسة النأي بالنفس هذه، تعبّر عن موقفٍ واضحٍ بتأييد الطرف الآخر ضد الموقف العربي».
وسأل: هل تعلم وزارة الخارجية والمغتربين أنها وضعت اللبنانيين المقيمين في السعودية، والذين من المفترض أن ترعاهم، في أحرج موقف أمام مضيفيهم السعوديين؟
وناشد مجلس العمل والاستثمار اللبناني «باسم 500.000 لبناني مقيم في منطقة الخليج العربي، وباسم التضامن العربي، وباسم الدستور اللبناني، وبشكل عاجل، الحكومة اللبنانية مجتمعةً، ممثلة في رئيسها تمام سلام، ووزارة الخارجية والمغتربين، بالرجوع عن القرارين، والتزام الإجماع العربي».