تدخل قضية مشاركة المرأة اللبنانية في الحياة السياسية حقل ما نسمّيه «السهل الممتنع». فهذه المشاركة سهلة نظرياً، أي بوصفها شعاراً للمعارك السياسية، وهي ممتنعة بالمعنى الفعلي والواقعي الذي يتجلّى في نسبة مشاركة المرأة في البرلمان اللبناني 2,3 في المئة، وهي من أضعف النسب في العالم، إذ يحتلّ لبنان المرتبة 136 عالمياً من حيث مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
أقرّ القانون اللبناني منذ العام 1953 حق المرأة اللبنانية في المشاركة في الانتخابات العامة ترشيحاً واقتراعاً، وذلك نتيجة حركة احتجاجية قامت بها مجموعة من السيدات، واشترك فيها عدد من الرجال من أركان النخبة المثقفة. فيما كان السلوك السائد يعكس هيمنة صورة نمطية حول المرأة تعتبرها غير ذي أهلية لاتخاذ قرارات بذاتها.
ولطالما شكّل التوريث السياسي الطريقة الرئيسة لدخول المرأة الى البرلمان. وغالباً بعد وفاة قريبها أو زوجها أو والدها. ما أشاع مقولة «إنّ النساء اللبنانيات يدخلن البرلمان متّشحات بالسواد».
صحيح أنّ مشاركة المرأة في الحياة السياسية، والتي تتخذ اليوم أبعاداً شعبوية، لا تثير معارضات مبدئية في المجتمع اللبناني، لا على المستوى الحقوقي ولا على المستوى الاجتماعي، بدليل أنّ الطوائف والأحزاب السياسية على تنوّعها تشير دائماً الى أهمية هذه المشاركة، إلّا أنّ الانتخابات النيابية والبلدية تثبت أنّ مشاركة المرأة في الحياة السياسية ليست سهلة في ظل قبول شروط لهذه المشاركة تحددها مرجعيات اجتماعية وثقافية ودينية.
فعلى رغم أنّ العديد من الأحزاب السياسية تعتمد بشدة على مشاركة النساء كناخبات، غير أنّ القليل، إذا وصلن، يتبوّأن مناصب قرار، والتي تبقى المساحة الحصرية لزملائهنّ الذكور.
وفي هذا الاطار، تبيّن في الدراسة الدولية للمعلومات عن النساء في برلمانات العالم، أنّ لبنان هو في المرتبة 136 فيما تأتي روندا في المرتبة الأولى ولديها 51 امرأة من أصل 80 في مجلس النواب و10 من أصل 26 في مجلس الشيوخ.
وفي فرنسا على سبيل المثال، هناك 155 امرأة من أصل 577 في مجلس النواب و77 من أصل 347 في مجلس الشيوخ. إلى بريطانيا حيث عدد النساء في مجلس العموم هو 147 من أصل 650، و172 من أصل 760 في مجلس اللوردات. وفي الولايات المتحدة، 77 من أصل 431 في مجلس النواب و20 امرأة من أصل 100 في مجلس الشيوخ.
أمّا لبنان فيأتي بعد ايران في المرتبة 136، إذ لديه فقط 4 نساء من أصل 128 في مجلس النواب، ويأتي في آخر اللائحة قبل جزر القمر وجزر المارشال وغينيا الجديدة وسلطنة عمان واليمن.
فمنذ إنشاء لبنان حتى اليوم، هناك 7 نساء فقط تولّوا مناصب وزارية، وهنّ: ليلى الصلح حمادة، وفاء الضيقة، نائلة معوض، بهية الحريري، ريّا الحسن، منى عفيش وأليس شبطيني. فيما تولّت 10 نساء فقط مناصب نيابية، وهنّ: ميرنا البستاني، نائلة معوض، بهية الحريري، مهى الخوري أسعد، نهاد سعيد، جيلبرت زوين، صولانج الجميل، غنوة جلّول، ستريدا جعجع ونايلة تويني. واللافت أن ليس بين هؤلاء مناضلة سياسية واحدة، بل وراء كل منهنّ طيف رجل أوصَلها الى السلطة.
وإلى ذلك، تتولّى 14 امرأة مناصب في الفئة الأولى حالياً من أصل 160 وظيفة. الأمر الذي يدلّ الى أنّ دور المرأة لا يزال خجولاً في القطاع العام.
إذاً، يتناقض الواقع الذي تعيشه النساء في لبنان على جميع المستويات، مع كل ادعاءات الحداثة الشكلية التي تغلّف الحياة اللبنانية.
فالعقبات التي تعترض مشاركة المرأة ليست حقوقية فحسب، بل هي تربوية في الدرجة الأولى، أي أنها تتعلق بمنظومة القيَم السائدة التي ترعى الأسرة اللبنانية وتحدد الأدوار لكل من الرجل والمرأة، ما يفسّر تأخّر المرأة عن دورها السياسي.
وعلى رغم كَون الأحزاب السياسية جزءاً من المشكلة، غير أنها الفرصة الأفضل للنساء لتحسين وضع حقوق الإنسان الخاص بهنّ والحصول على مهام سياسية في المستقبل القريب، وذلك لأنّ الطريق التشريعي والتنفيذي مسدود.
إنّ ضغطاً منظماً وواضحاً من العضوات النساء في الأحزاب السياسية اللبنانية الرئيسية قد يكون الطريق الوحيد في الوقت الراهن لتمرير قوانين تحرّر النساء من التمييز القانوني على أساس الجندر في حياتهنّ الخاصة، وتدعم تمثيلهنّ السياسي العام.
هذا النوع من الإصلاح الحزبي الداخلي يتطلب عدداً من العضوات لديهنّ الإرادة والتصميم على مواجهة البنى الذكورية لأحزابهنّ وفي كثير من الحالات لمجتمعاتهنّ وعائلاتهنّ. وهذا يعني أن تصبح المشاركة السياسية للمرأة مسألة عامة وليست حكراً على مجموعات المجتمع المدني وهيئات المرأة. وفي نهاية المطاف، يجب أن يقوم جميع أعضاء الحزب العاديين، وليس فقط النساء، بالمطالبة بديموقراطية داخلية وشفافية داخل أحزابهم.