السؤال الذي طرح نفسه بإلحاح داخل الكواليس السياسية اللبنانية خلال اليومين الماضيين هو كيف سينعكس التصعيد الذي طرأ على الخلاف بين إيران والسعودية وتمثل في انقطاع العلاقة الديبلوماسية بينهما، على الوضع السياسي الداخلي في لبنان؟
ترصد مصادر مطلعة في معرض إجابتها عن هذا السؤال أربع نتائج سياسية تؤكد أنّ الوضع اللبناني السياسي الداخلي سيشهدها خلال الفترة المنظورة، بوصفها انعكاسات مباشرة لحال التصعيد السياسي غير المسبوق الذي تعيشه حالياً العلاقات الايرانية – السعودية:
أوّلها يتمثل في أنه بات مستبعداً على نحو كبير بحسب مصادر ديبلوماسية عربية أن يستمرّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بالسير في احتمال أن يلجأ الى ورقة ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون كردٍّ على ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، ذلك أنّ هذه الفكرة التي وضعها «الحكيم» على طاولة خياراته لرد ما يعتبره «الأذى الوجودي» عليه الناتج عن ترشيح فرنجية، لم تعد أبعادها لبنانية وعلى صلة فقط بتباينات قائمة داخل مركب «١٤ آذار»، بل أصبحت بعد الحرب السياسية الراهنة غير المسبوقة بين طهران والرياض، لها حساباتها المكلفة والمتصفة بأنّها قد تصبح مستديمة، خصوصاً أنّ النظرة الخليجية العربية الى عون تُصنّفه على أنه أحد رموز المحور الايراني في لبنان.
وضمن هذا السياق تُرجّح هذه المصادر أن يعود جعجع في هذه اللحظة من احتدام السباق المحموم بين ايران والسعودية على استقطاب المناخات السياسية في المنطقة الى التموضع في مربع يعطي العوامل الاقليمية ذات النتائج البعيدة المدى على مستقبل علاقاته العربية، أولوية على العوامل الداخلية العابرة وقصيرة المدى.
وترى هذه المصادر أنّ جعجع قد يعود في موضوع مقاربة ملف رئاسة الجمهورية الى طرح «القوات» الاول الذي تمّت مفاتحة الاميركيين به قبيل حدوث «تسونامي ترشيح فرنجية»، ومفاده أنّ جعجع مع معادلة «لا أنا ولا عون بل مع مرشح على شاكلة روجية ديب».
وحينها أجاب الاميركيون: «ولكن مَن هم النواب الذين سينتخبون روجية ديب في البرلمان». وأضافوا أنه من وجهة نظر واشنطن فإنّ «المطلوب مرشح يتميّز بمواصفات تطمئن القوى الرئيسة الناخبة في البلد».
الانعكاس الثاني المتوقع أن يشهده لبنان في مرحلة تعاظم الخلاف السعودي الايراني، يتمثل في عودة اصطفافَي «٨ و١٤ آذار» الى حالات شدّ العصب وانضباط مركباتهما السياسية تحت سقفيهما السياسي وذلك على نحو يغتال ارهاصات التمايزات التي كانت برزت خلال الآونة الاخيرة.
وضمن هذا المناخ، يوضع تصريح الرئيس نبيه بري الذي حافظ خلال الفترة الماضية على هامش النأي بالنفس عن نزاع حليفه «حزب الله» مع الرياض، والذي قال فيه «إنّ إعدام الشيخ النمر شكل صدمة له».
وتتمّ قراءة كلام برّي بوصفه دليلاً على أنّ هوامش التمايزات الداخلية داخل مركبَي «٨ و١٤ آذار»، أصبحت محرجة لأصحابها ومرشّحة لأن تتبدّد لدرجة الصفر أو الى ما فوقها بقليل بأحسن الأحوال. بكلام آخر ستعود الساحة اللبنانية بحدة خلال المرحلة المنظورة الى مرحلة حرب الخنادق بين «٨ و١٤ آذار»، وعلى نحو يرشّحها للاستمرار كـ»حال ستاتيكو اللاحلول» لفترة تالية، وذلك في انتظار تبدّلات خارجية وإقليمية تزيل نتائج الأزمة الإيرانية السعودية التي تفلّتت من عقال ضبطها خلال هذا الاسبوع.
الانعكاس الثالث يحمل معنىً إيجابياً بحدود معيّنة، ومفاده أنّ تعاظم الخلاف الايراني السعودي لن يوقف او حتى يُجمّد الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» في عين التينة ولا حتى اجتماعات الهيئة الوطنية للحوار في مجلس النواب. ويعود سبب ذلك الى أنّ الهدف الأساس من حوار الحزب و«المستقبل»، يتجاوز حرب الاصطفافات السياسية الداخلية والإقليمية في لبنان، ولا يتأثر بشؤون تبدّلاتها من ظرف لظرف ومن مناخ لآخر، بل هو مصمّم لكي يخدم مصلحة تحصين لبنان من خطر أن تصله تحديداً نار الاحتراب المذهبي السنّي – الشيعي السائد في محيطه، والذي هو مبعث الخطر الأساس الذي يُهدّد استمرار الحدّ الأدنى من الاستقرار فيه. وهذا الأمر الأخير لا يزال خطاً أحمر دولياً ممنوعاً تجاوزه تحت أيّ ظرف أو أيّ سبب داخلي او إقليمي.
الانعكاس الرابع يتمثل في توقّع أن تسود الحرب الناعمة الغربية الجارية ضدّ «حزب الله» في لبنان عبر حجب صورته الإعلامية وتجفيف مصادر تمويله في المصارف اللبنانية، تصعيداً ملموساً، حيث ستتعاظم المشاركة العربية في فعالياتها، انطلاقاً من اعتبارها جزءاً من الحرب العربية المعلنة على نفوذ ايران في المنطقة وضمنها لبنان.
ويُتوقع في هذا المجال إنزال «المنار» و«الميادين» عن القمر الصناعي المصري «النايل سات» بقرار من وزراء الخارجية العرب، ويُتوقع أيضاً التحاق المصارف العربية بحملة العقوبات المالية على «حزب الله» ومشتبهين بالعلاقة مع طهران، وذلك من خلال تطوير عقوبات خاصة بها بالإضافة الى التزامها العقوبات الأميركية.