عملياً تعني السلّة المتكاملة أو «الدوحة الثانية» تعبيد الطريق أمام المؤتمر التأسيسي الأوّل، ولهذا السبب سارَع عددٌ من القيادات المتبصّرة بما ستؤول اليه الأمور الى رفضها.
وعلى رأس هذه القيادات الرافضة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، فيما تحرَّك منسّق الامانة العامة لقوى «14 آذار» الدكتور فارس سعيد مكوكياً لمحاولة قطع الطريق على السلّة، نظراً لما تعنيه من إفراغ لمنطق المؤسسات من أيّ مضمون حقيقي.
تبعاً لما صدر عن الدكتور جعجع ولما نقله أكثر من مصدر ثقة عن مسؤولين إيرانيّين، فإنّ إيران تضع انتخابات رئاسة الجمهورية «في الجيبة»، في انتظار نيلها ضمانات دولية حول بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، هذه الضمانات التي لم يُقدّمها أحد إلى إيران، لا الولايات المتحدة ولا أوروبا، ولا تركيا ولا السعودية التي دأب وزير خارجيتها عادل الجبير على التأكيد أنّ الحلّ السوري يبدأ بترك الأسد السلطة.
في ظلّ هذا المناخ، ماذا يعني طرح السلّة المتكاملة، التي تعني الاتفاق المسبق على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والحكومة، وقانون الانتخاب؟
تعني بكلّ وضوح أنّ «حزب الله» يريد وضع اليد على الدولة بأكملها، من رئيسها الى رئيس حكومتها الى حكومتها الى قانون الانتخاب، والى إرجاع عهد وصاية النظام السوري، تحت عنوان انتقاء جميع هؤلاء، واشتراط تأليف الحكومة، وهذا إن حصل يكفي لإعطاء عمر افتراضي لاتفاق «الطائف» لأشهر أو لسنوات، يُصار بعدها للجلوس الى طاولة المؤتمر التأسيسي.
ينطلق معارضو السلّة المتكاملة من اعتبارات عدة، أبرزها أنّ أيّ اتفاق مسبق على اختيار رئيسي الجمهورية والحكومة من خارج المجلس النيابي، سيحوِّل هذا المجلس كما سائر المؤسسات الى أطلال. فالرئيس المعيّن، ورئيس الحكومة المعيّن (حتى ولو كان الرئيس سعد الحريري) سيكونان رئيسين على منصة الشرف، ولن يكون باستطاعتهما الحكم كونهما أتيا باتفاق رضائي، وليس بالانتخاب، أو بالاستشارات في مجلس النواب، وهذه ستكون بداية الطريق الى المؤتمر التأسيسي الذي سيُعقد في ظلّ غياب تكافؤ القوى المفروض بوجود سلاح «حزب الله»، وبالتالي فإن رفض «الدوحة الثانية» مهما كان ثمنه كبيراً، سيعطّل الحصول على نتائج أفرزتها «الدوحة الاولى»، التي أفضت الى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري بقوة السلاح.
حتى الآن، تشكل معارضة السنيورة وجعجع للسلة، وتحفظ حزب الكتائب، مانعاً يعوق السير بها، اما بالنسبة إلى موقف الحريري الذي لم يعلنه بعد، فمن المؤكد أنه لن يسير بالسلة خصوصاً بعد الموقف السعودي الواضح الرافض لإعطاء أيّ ضمانة لبقاء الاسد، والذي حمّل مسؤولية تعطيل انتخابات الرئاسة إلى «حزب الله»، وهذه رسالة سعودية تُعتبر من أوضح الواضحات.
في المقابل، لا يبدو «حزب الله» مكترثاً لإطالة أمد الفراغ الرئاسي، فالحزب الذي وافق على مبادرة الرئيس نبيه برّي معتبراً أنها مبادرة الحدّ الأدنى، يراهن على الوصول الى الانتخابات النيابية في ظلّ الفراغ، فهذا الأمر برأيه يسرّع في الخطوات في اتجاه المؤتمر التأسيسي.
ويدغدغ الحزب مشاعر بعض المسيحيين، في مسألة استعادة الصلاحيات، حيث نقل عن مسؤول كبير في «حزب الله» قوله لأحد وفود قوى «8 آذار» المسيحية، إنّ مسألة توزيع الصلاحيات يجب أن تمرّ من خلال: أولاً قانون الانتخاب لإعادة رسم خريطة قوى جديدة في الطائفة السنّية، وثانياً صلاحيات رئاسة الحكومة التي يُفترض ألّا تبقى كما هي.
وتوجّه هذا المسؤول الى الوفد بالقول: «هم يحاصروننا من خلال وضع يدهم على صلاحياتكم (المسيحيين)، وعندما يعود جزءٌ من صلاحياتكم إليكم، نعيد إرساءَ التوازن».
يعكس هذا الكلام الكثير من الخطط المضمرة التي تنتظر وقتها لتوضع على الطاولة، وربما يكون منها ما يتعلّق باستحداث مواقع جديدة، كموقع نائب رئيس الجمهورية، والبحث في مداورة بمواقع أخرى كموقع قيادة الجيش، والآتي أعظم.