توشك “الانتفاضة العونية” الجامحة على دخول شهرها الثالث على التوالي والامور والمعادلات على حالها. فلا الطرف الآخر فتح ابواب التجاوب على التسويات والحلول والخروج من نفق الازمة، ولا التيار البرتقالي في وارد التراجع بعدما صار الاحجام في مقام الهزيمة وله طعم الانكسار المر، ولا مبادرة الحل اليتيمة الخجولة اصلا اتت في محلها وبدا ان لها نصيبا من الحظ خصوصا بعدما تبين انها تنطوي على عيوب خلقية كونها ترتب اعباء مالية ويسهل الاطاحة بها قانونيا مما يوحي ان اصحابها تعجلوا في اطلاقها ولم تكن غايتهم الا اثبات الحضور على مسرح شبه خال.
وفي الوقت عينه بلغت الأمور حد الشلل الحكومي على نحو تكاد ان تسقط معه عن الحكومة حتى صفة تصريف الاعمال ومزية ادارة الوضع بالممكن والمستطاع والتي كان رئيسها تمام سلام يتفيأ ظلالها منذ انطلاقها بعد مخاض الولادة العسير.
وامام هذا المشهد المعقد التصعيدي ثمة من يسأل بإلحاح عن نوعية رهانات الفريق المتصدي بشراسة لطموحات العماد عون والواقف سدا منيعا أمام مطالبه. وفي المقابل ماذا عن الخطوات غير التقليدية التي يلوح عون باللجوء اليها بعد خطواته الاولى واستطرادا على أي رهانات ينام؟
في دوائر القرار والرصد في قوى 8 اذار ومن بينها دوائر “حزب الله” قراءة فحواها ان الفريق الذي يشكل طائعا رأس الحربة في عملية كبح جماح الانتفاضة العونية يعيش تحت وطأة أزمة حقيقية فالحراك العوني اعطى مفاعيله الارتدادية وان انكر هذا الفريق ذلك مثنى وثلاثاً فأمر ليس بالقليل ان الحكومة الرابعة المحسوبة على تيار المستقبل تعجز مجددا عن الحل والربط وفي عهدها تعيش البلاد واحدة من أسوأ أزماتها.
ومع ذلك فإن الدوائر عينها على يقين من أن التيار الأزرق ليس في وارد رفع رايات الاستسلام ولكنه يداري واقع الحال المر بخطة ممنهجة من أربعة بنود اهي:
– الرهان على ساعة آتية تنطفئ معها شعلة الغضب العوني الساطع تلقائياً وتدريجاً بعد أن تصطدم بالجدار المسدود والأبواب الموصدة بإحكام.
لذا ليس خافياً أن هذا الفريق يركز على ما يعتبره نقاط ضعف في الحراك العوني منها ضآلة وتواضع الحشد في التظاهرات ومنها ايضا المخاوف والخشية التي تنتاب الشارع المسيحي خصوصا والساحة الداخلية عموما مع كل نفير دعوة يطلقه العماد عون للنزول الى الشارع، ومنها ثالثاً ان المزاج الجماهيري ليس مزاج حراك وتصعيد على غرار اواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي بفعل تحولات يدركها الجميع.
– ان ثمة حصانة غير مرئية داخلية وخارجية تتمتع بها حكومة الرئيس تمام سلام تمنعها من السقوط وتحول دون ذهابها الى الانفراط مهما بلغت درجة الضغوط عليها
– التركيز على التداعيات والآثار السلبية المتأتية عن الحراك العوني اذ ان ثمة جهداً ملحوظاً من الخصوم لتكريس مقولة ان الحراك وشلّ العمل الحكومي هما مدخل لمنع اقرار رواتب الجيش والقطاع العام وملفات مالية أخرى.
– الرهان على دور يقوم به رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط في مواجهة الاندفاعة العونية على نحو يحصن دفاعات هذه الحكومة ويجعل الحراك العوني غير ذي فائدة ومسدود الأفق.
– محاولة إيجاد شرخ غير مسبوق بين التيار البرتقالي من جهة والجيش من جهة اخرى على نحو يبدد معادلة تاريخية قوامها ان التيار الوطني الحر نشأ من رحم المؤسسة العسكرية وبقي قاعدتها وبيئتها الحاضنة.
ماذا في جعبة التيار لاستكمال ما بدأه؟
لا تخفي مصادر هذا الفريق انه منذ ان قررالمضي في خيار المواجهة كان يستشرف وعورة الطرق وقلة الزاد ولكنه اعد للامر عدته لذا فهو يعتبر ان خياره واع ويستند على حسابات ورهانات عدة ابرزها:
1 – توفر عوامل القدرة على الحشد المتدحرج والمستديم على نحو يسقط رهانات الآخرين على لحظة يهدأ فيها نبض العاصفة العونية.
2 – الرهان على التأثير على سيرورة الحكومة وانتاجيتها.
3 – خلق مناخات مستنفرة ومتحفزة في الشارع المسيحي تجعل القوى المسيحية غير الدائرة في الفلك العوني في وضع القاصر عن الحراك المضاد لاسيما وان ثمة حدوداً للأمر وثمة حرص من حزب القوات اللبنانية على الحفاظ على إعلان النيات.
4 – الرهان على مدد من الحليف الاستراتيجي اي “حزب الله” سيأتي حتماً عند الحاجة إليه ضمن سياق متفاهم عليه سلفاً وهذا ما تبدى في كلام الأمين العام الأخير للحزب السيد حسن نصرالله.
5 – ان التيار على ثقة من ان الرئيس بري لن يكون في مقدوره المضي قدما في الوقوف في وجه الحراك العوني لأن للأمر حدوداً ومحاذير وحسابات إن لم ينتقل لاحقاً الى موقع الوسيط المبادر.
6 – اولاً واخيراً ليس في وارد وزراء التيار الخروج من الحكومة فهم يدركون محاذير ذلك
7 – لايخفي التيار انه يعتمد في حركته على اظهار مظلومية المسيحيين وانه في موقع الدفاع عن محاولات تهميشهم وإقصائهم مستخدماً خطاباً جاذباً عبر الربط بين الداعشية الفكرية والداعشية السياسية.
ومهما يكن من أمر يجد التيار البرتقالي نفسه بأنه أحرق كل مراكب العودة الى الوراء وبالتالي عليه المضي قدماً وأنه قد تجاوز مرحلة التهويل والتخويف التي مورست عليه من خصمه ويعتبر أنه ليس وحده في لجة الازمة.