هل يُعقل أن نراهن على مبالغ نستدينها من جهات خارجيّة، من الـ «آي إم إف» أو من دول شقيقة أو أجنبيّة، لنراها تتبخّر بالطريقة نفسها التي تبخّرت فيها عشرات لا بل مئات مليارات من الدولارات قبلاً، ونتوقّع ان نخرج بهذا الأسلوب من الهاوية؟
وبدلاً من أن نتكلم عن الأخطار التي تهدّد مصير الوطن، لا نسمع الًا كلاماً عن خطر زعيم في هذه الطائفة على زعامة خصمه، أو جاره، أو أخيه، في الطائفة نفسها؟ وعلى حساب من؟ على حساب البلد والمواطنين.
الجهد الوحيد المطروح اليوم، خطّة أعدّتها الحكومة وأقرّتها…لإنقاذ الوضع الإقتصادي… أو على الأقلّ لتكون لدينا الجرأة على استدانة مبلغ من صندوق النقد الدولي، يساعدنا في تجاوز هذه المرحلة الصعبة وغير المسبوقة في تاريخ لبنان.
فلنواجه لمرة واحدة على الأقل الحقيقة و»ما نطلع بعيون المجتمع الدولي كذّابين»؟
تاريخنا المعاصر لا يشجّع، وطريقتنا في التعاطي مع بند الإصلاحات صالحة فقط «للمسخرة والبهدلة»..
الخطّة تحلم بإنعاش ماليّة الدولة عن طريق الضرائب. 20 في المئة على أرباح الشركات وأرباح الفوائد. 30 في المئة على الدخل الأعلى، و15 في المئة على أرباح رأس المال.
مالية الدولة لا تستطيع ان تعيش على فرض الضرائب، إذا لم تعطِ إقتصاد البلد بنى تحتيّة ونظاماً قانونياً يحمي حقوق الناس و«ما بيهشّل» الشركات، وحلولاً تمنع أسباب الإنكماش، وخصوصاً إذا لم تُقفل مزاريب الهدر والفساد.
أيَّ إصلاح يتحقّق إذا اكتفينا بالإستدانة وراعينا سياسات الصندوق الدولي، برفع الضرائب وتحرير سعر صرف العملة، بينما مصاريف دولتنا باقية على المستوى نفسه من الهدر والبعزقة، وكلفة الكهرباء في حدود الـ5,5 مليارات من الدولارات سنويًّا، والماء 4,8 مليارات من الدولارات، وورشة «الفايبر أوبتيك» مستمرة على مدى سنين جديدة، بحيث تدفّع الدولة نفقات بلا مردود وبلا أفق واضح لتاريخ إنجازها والإستفادة منها؟
أيّ صدقيّة نستطيع ان نحقّقها لدولتنا إذا لم نبرهن إستقلاليّة البنك المركزي عن نفوذ جميع السياسيين من كل الجهات، وإذا لم نثبت قدرة قطاعنا المالي والمصرفي على محاربة ومنع كلّ عمليّات التمويل غير المشروعة، وقدرتنا على التعامل السليم مع المؤسسات الماليّة والدوليّة؟
أيّ إصلاح قادرٌ على فرض هيبته عندما تكون محاربة الفساد محصورة بكلام كبير وتبادل إتّهامات وتبرئة متّهمين، من دون سجن فاسد واحد ومن دون التحقيق مع رأس من الرؤوس الكبيرة، وبالنتيجة لا ملفّ فُتح وإستُكمل حتى النهاية؟
عن أيّ إصلاح نتحدث والتهريب شغّال على كلّ المرافق والمعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة؟ يحمّلون شعبنا كلّ أنواع التضخّم، وممنوع عليه أن يستفيد من إنخفاض سعر المحروقات عالميًّا، فيما المازوت الذي تدعمه الدولة بنسبة 85 في المئة من سعره وبالسعر الرسمي للعملة الوطنيّة، والطحين المدعوم لتأمين لقمة المواطنين والمقيمين في البلد، يُهرّبان ويُباعان خارج الأراضي اللبنانية لمصلحة مجموعات «آخدة راحتا بوجّ الدوله والقانون»؟
السلطة اللبنانيّة، مشكورة، تعتني بصحّة الناس، وقادرة على فرض منع التجوّل في الوقت اللازم، بالقوّة وبهيبة القانون. منع التجوّل هل سيُطبّق على «الكميونات والسيترنات» الناشطة في الليالي على الطريق الدوليّه وعبر الحدود؟ أو على كميونات الخضار التي تُهرّب الى سوريا حارمة الشعب على الاقل من أسعار ثابتة ومنطقيّة لمزروعات أرضه وبلده؟
منع التجوّل سيشمل أيضاً منع تهريب الدولارات الى سوريا، ومنها الى سائر الدول، فيما اللبناني متروك ليشحد دولاراً واحداً من حسابه المتبخّر في المصارف وبهمّة الصرّافين؟
عندما تكون كلفة الفساد في لبنان، حسب التقارير الدوليّة والمحليّة، تراوح بين 4 و 6 مليارات من الدولارات سنويًّا… فإذا كانت الجهات الدوليّة راضية لتطميناتكم ومكفيّة بإمتثالكم لشروط الصندوق، فإنّ الشعب «يلّلي بالأخير بتطلع الشغلة براسو وبتنوفى السرقات والديون من مالو… ما رح يرضى».
إذا كنتم دولة قادرة لتقوموا بالواجب… أوقفوا الهدر، أقفلوا المعابر غير الشرعيّة، تحكّموا بالمرفأ والمطار والمعابر الشرعيّة. وإلّا، اقنعونا قبل ان تقنعوا الأجانب: لماذا الوضع ما زال فالتاً ؟
إذا كان بمقدوركم فماذا تنتظرون؟
وإذا كنتم غير قادرين، لماذا لا تزالون ساكتين؟