Site icon IMLebanon

شو ناطرين؟…

يعتقد كثيرون أن لا نفع للحراك المدني، وأن ثمة اجندات خفية تحركه، أو أن مجموعة من اليساريين وجدت فرصتها لإحياء شيوعية ماتت في مهدها، أو أن باحثين عن دور يحاولون ركوب موجة المطالب بعدما طواهم الزمن، وأن أجهزة مخابراتية دخلت على خط التحرك وتتلاعب به، وأن دولة عربية صغرى تدفع مالا لخلق الفوضى في البلاد، وأن السفارة الاميركية تحرك “شيعة السفارة” وغيرهم لقيادة تغيير في الطبقة السياسية، أو أن ثمة مسعى لخلق الفوضى المنظمة لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد، وغيرها من الحجج التي يرددها سياسيون لإحباط كل تحرك قبل أن ينمو ويتحول عبئاً حقيقياً على تلك الطبقة التي استبدت في زمن الحرب، وبدل أن يحاكم “أبطالها” كمجرمي حرب، إذ بهم يتحولون حكاماً، فيتشاركون في السلطة والأعمال، ويتقاسمون الأموال العامة التي أدخلت البلاد في عجز وديون بلغت نحو سبعين مليار دولار. لم يتخلوا عن عقلية الحرب والمكاسب السريعة والانتصارات الموضعية، ولم يرقوا الى مستوى بناة الوطن ما جعلنا في دوامة مقلقة من تراجع عمل المؤسسات وانهيارها.

يمكن ان يكون تحرك مجموعات ما يسمى المجتمع المدني مدفوعا من مراكز قرار عالمية أو اقليمية، ويجب ان يبقى الشك قائماً اذ هو الطريق الى الحقيقة، لكن الممسكين بالسلطة لم يفعلوا شيئاً منذ 25 سنة لينزعوا فتيل الرفض الذي يقود الى الثورة.

منذ 25 سنة، أي منذ انتهاء الحرب، والكهرباء لم تجد طريقاً الى منازلنا بشكل متواصل، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من انشاء معامل جديدة، او الاتفاق على تنظيم الجباية، ومثلها المياه المقطوعة باستمرار لتحول صيفاً الى المسابح الخاصة.

ومنذ 25 سنة، لم ينجز الاوتوستراد العربي الذي يربطنا بمحيط حيوي عبر البوابة السورية حتى اقفلت دمشق حدودها، وانقطع حبل تجارتنا البرية مع العالم العربي، فتكدست المنتجات الزراعية والصناعية ولا من يسأل.

ومنذ 25 سنة، والدولة لم تتمكن من التعامل مع مافيا الكسارات والمرامل، وسقطت كل المخططات التوجيهية في سلة المهملات. ومنذ 25 سنة تتحكم “سوكلين” بملف النفايات لقاء الأجر الأغلى في العالم، ولم تجرؤ حكومة، أو حتى مجلس النواب، على مساءلتها، ومحاسبتها، لأن الشركة تعرف جيداً كيف تكسب تعاطف السياسيين معها، من دون مقابل طبعاً. وها نحن حالياً غارقون في جبال من النفايات.

ومنذ 25 سنة، لم تتمكن الدولة من تنظيم الضمان الاجتماعي لتوفير الرعاية الصحية لكبار السن، الأكثر حاجة الى العلاجات، ولم تفتح المستشفيات الحكومية أبوابها لاستقبال المرضى لنقص امكاناتها. واللائحة تطول…

أمس سُررت لسماعي أغنية كتبها الياس الرحباني منذ زمن بعنوان “شو ناطرين” وغناها ربيع الخولي ثم غسان الرحباني وفيها : يا ناطرين شو ناطرين من يلي سرقوا الشمس، من يلي باعوا الريح، من يلي باعوا الوطن وعملوا بيوتن أكبر من مساحات الوطن”.