«حزب الله» يطمئن سلام.. فيطوي الاستقالة
ماذا ينتظر عون قبل تجاوز «الخط الأحمر»؟
لعل أصعب ما في الحركة الاعتراضية التي يقودها العماد ميشال عون حالياً أنها تتم في توقيت ضبابي ومنطقة رمادية. لا هو قادر على قلب الطاولة كلياً في هذه اللحظة لأنه لا بديل عنها إذا تحطّمت، ولا هو يستطيع الاستمرار في الجلوس إليها والرضوخ للأمر الواقع ومرارته.
ولذلك، يحتاج «الجنرال» إلى إجراء حسابات دقيقة قبل أن يقرر وجهة سيره في مرحلة ما بعد مقاطعة الحكومة، لأن أي خطأ في التقدير سيرتب أكلافاً سياسية لم تعُد الرابية تتقبل المزيد منها، علماً ان الاحتمالات المطروحة تبدو صعبة ومحفوفة بالمخاطر.
بهذا المعنى، لن يكون سهلاً على عون البقاء في الحكومة وتغطية قراراتها التي تتعارض مع خيارات الرابية لاسيما بالنسبة الى التمديد للقيادات العسكرية. وفي الوقت نفسه لن يكون سهلاً عليه الاندفاع نحو الاستقالة من هذه الحكومة وتحويل «التيار الوطني الحر» إلى «ناشط بيئي»، كما هو الحال مع «حزب الكتائب» المستقيل، خصوصاً أن مجلس الوزراء وجه في جلسته الأخيرة المنعقدة بغياب وزراء «التيار» و «الطاشناق» رسالة الى الرابية مفادها أنه يمكن ان يستمر على قيد الحياة الدستورية والسياسية حتى لو انقطع شريانه البرتقالي.
وما يزيد حسابات الرابية تعقيداً هو موقف «شريكه الاستراتيجي»، «حزب الله»، الذي يتمسك ببقاء الحكومة بقدر تمسّكه بالتحالف مع «الجنرال»، في واحدة من المعادلات المركبة التي تفرضها حسابات حارة حريك الدقيقة.
وخلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، أعطى الحزب إشارة واضحة الى ان الغطاء الأصفر لم يُرفع بعد عن الكائن الحكومي الهجين، سواء من خلال مشاركته في الجلسة أو عبر امتناعه عن الانسحاب منها حين بدأ النقاش في بعض القرارات المتعلقة بجدول الأعمال، وإن يكن قد رفض المشاركة في اتخاذ اي قرار مسايرة لـ«التيار» الغائب.
يومها، كان الرئيس تمام سلام يُضمر نية بالاستقالة لو ان وزيري «حزب الله» انسحبا من الجلسة وأسقطا نصابها، وقد حصلت عملية «سبر أغوار» لحقيقة نيات الحزب، فأتى الرد من قبله بأن الانسحاب غير وارد.
لكن حرص الحزب على الدفاع عن «الرمق» الأخير للحكومة الموصولة بأجهزة التنفس الاصطناعي، مراعاة منه لضرورات حماية الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي، لا يعني تخلّيه عن عون أو السماح باستفراده في الزاوية الضيقة. لا يريد الحزب المحرج أن يخسر الحكومة أو الجنرال في خضم الصدام بينهما، وهو يحاول جاهداً تجنّب الوصول الى لحظة يصبح مضطراً فيها الى الاختيار بين الاثنين.
والأرجح ان «الجنرال» نفسه، يفضل الاحتفاظ بورقة الاستقالة ـ سواء من الحكومة او من طاولة الحوار الوطني ـ الى الوقت المناسب، وهناك في أوساط مؤيديه من يعتقد أنه لن يقلب الطاولة كلياً ولن يذهب الى الخيارات القصوى في معرض مواجهته التمديد الحتمي لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وإن يكن سيزيد جرعات الاحتجاج والاعتراض رداً على هذا التمديد.
أصحاب هذا الاستنتاج يفترضون أن المعركة الكبرى لعون مؤجلة حتى يتأكد من أن فرصه الرئاسية كلها قد استُهلكت، وبالتالي فهو لن يحرق سفن العودة ويحطّم قواعد الاشتباك الحالية ما دام لم يفقد الأمل بعد في إمكانية تحقيق توافق على انتخابه رئيساً للجمهورية، أما عندما يثبت له أن وصوله الى قصر بعبدا بات مستحيلاً وان انتظار سعد الحريري والسعودية أصبح عبثياً، فإنه لن يتوقف آنذاك أمام خط أحمر أو ازرق.
ويبدي أحد الوزراء من خارج «8 آذار» تفهمه لسلوك عون وردود فعله، لافتاً الانتباه الى انه من غير المقبول إحراج الرجل بهذا الشكل وصولاً الى اخراجه. ويضيف الوزير في جلسة مصارحة: يجب أن يعطوا الجنرال شيئاً.. لا أعرف ماذا بالضبط، لكن الأكيد أنه لا يمكن الاستمرار في تجاهل مطالبه كلها، وبعد ذلك يُمنع من حق الصراخ والرد تحت طائلة اتهامه بتهديد الاستقرار.. يجب الاعتراف بأنهم يحمّلون الجنرال ما يفوق قدرته على التحمل.