كل خطابات رئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وآخرها تعهّده أمام مناصريه الذين شاركوا في حفل تسليم رئاسة «التيّار الوطني الحُرّ» إلى الوزير جبران باسيل، تجزم بأنّه لن يكون للبنان ما أسماه «رئيس دمية»، حيث قال: «لا يُهوّلنّ علينا أحد ويُخيّرنا بين الفوضى أو الرئيس الدمية، فلتكن الفوضى إذا إستطاعوا… ولكن أحداً لا يستطيع. ولكم منّي وعد بأنّه سيكون لكم رئيس من رحم مُعاناتكم ونبض أحلامكم وآمالكم». فعلى ماذا يُراهن «الجنرال»، وهل نحن نسير نحو فرض إنتخابه شخصيّاً رئيساً للجمهوريّة تحت وطأة الضغوط السياسيّة والشعبيّة وربّما غير ذلك من وسائل؟
مصادر سياسيّة مُطلعة رأت أنّ وصف مُعارضي العماد عون المُنتمين إلى قوى «14 آذار» كلام «الجنرال» بالشعبوي والعاطفي بهدف رفع المعنويّات، هو جزء من حقيقة أوسع وأشمل، لأنّ العماد عون مُقتنع بما يقوله، ولا يُطلق هذه المواقف لضرورات الخطابة أو الحشد الشعبي. وأوضحت أنّ العماد عون كان يأمل بأن يكون بمنصب رئيس الجمهوريّة منذ إنتهاء الولاية المُمدّدة لرئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحّود ليل 23 – 24 تشرين الأوّل 2007، إذا ما إستثنينا فترة الحرب، لكنّ الأحداث الأمنيّة والسياسيّة التي تلت وإنتهت بما عُرف بإسم «إتفاق الدوحة» جعلته يُقرّ على مضّض بالتسويّة التي جرى التوصّل إليها في حينه، وينتظر ست سنوات إضافيّة لتحقيق حلمه القديم – الجديد. وأضافت المصادر نفسها أنّه منذ ما قبل إنتهاء ولاية الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال سليمان في 25 أيّار 2014، أخذ العماد عون قراراً بأنّ لا يسمح بتمرير أيّ رئيس تسوية أيّا تكن الظروف والإعتبارات.
وتابعت المصادر السياسيّة المُطلعة أنّ موقف العماد عون المُتشدّد ينطلق من قناعة تامة بأنّه رئيس أكبر كتلة نيابيّة مسيحيّة وثاني أكبر كتلة نيابيّة لبنانيّة، وبأنّه الشخصيّة المارونيّة الأكثر شعبيّة على المستوى اللبناني العام، وعلى المستوى المسيحي الخاص، ما يجعله الأحقّ بمنصب الرئاسة. وأضافت أنّ الأهم ممّا سبق أنّ العماد عون يعتبر نفسه أنّه ينتمي حالياً إلى تحالف سياسي محلّي – إقليمي – دَولي عريض يُحقّق الإنتصارات تلو الإنتصارات، ما يجعل فرصته بمنصب الرئاسة مُجرّد وقت ليس إلا. وأضافت أنّ «الجنرال» يُراهن حالياً على تحوّلات إقليميّة لصالح «محور المُقاومة» الذي بنى معه علاقات متينة مبنيّة على الثقة والدعم المُتبادل. وهذه التحوّلات تبدأ عبر تعاظم مُنتظر للدور الإيراني في المنطقة بعد تمرير الإتفاق النووي مع الغرب، وتمرّ بإنتصارات ميدانية متوقّعة لصالح قوى «محور المُمانعة» في المنطقة، خاصة في سوريا، وذلك بفضل الدعم المُتصاعد من روسيا والقوى الحليفة الأخرى، وتنتهي بتراجع مُنتظر للثقل الإقليمي السعودي بفعل إنتكاسات سياسية وعسكريّة في أكثر من مكان.
ورأت المصادر السياسيّة المُطلعة نفسها أنّ الضغط الشعبي الميداني الذي يُمارسه «الجنرال»، والمُرشّح للتصاعد في الأسابيع القليلة المقبلة مع النيّة بالتوجّه إلى قصر بعبدا، يرمي إلى مُواكبة التحوّلات السياسيّة والعسكريّة في المنطقة، لفرض نفسه شخصيّة لا يُمكن تجاوزها على الساحة اللبنانيّة عندما يحين زمن التسويات الإقليميّة والتي سيكون الملفّ اللبناني أحدها بدون أدنى شكّ. ولفتت هذه المصادر نقلاً عن أوساط قريبة من «الرابية» بأنّ لدى «الجنرال» مُعطيات تُؤكّد أنّ هذا المسار لن يطول وهو على بعد بضعة أسابيع أو أشهر قليلة على أبعد تقدير، بعكس الإعتقاد السائد لدى قوى «14 آذار» بأنّ زمن التسويات في المنطقة لم يحن بعد، وأنّ الكلمة ستبقى للسلاح وللمعارك الميدانية في المُستقبل القريب. وأضافت المصادر السياسيّة نفسها بأنّ هذا الإنطباع السائد في أوساط قوى «14 آذار» يدفع رئيس «تيّار المُستقبل» النائب سعد الحريري إلى البقاء خارج لبنان، ويدفع رئيس «حزب القوّات اللبنانيّة» الدكتور سمير جعجع إلى تبريد الأجواء مع العماد عون وإلى التعاطي السياسي العام بحدوده الدنيا، ويدفع الرئيس أمين الجميل إلى الإنكفاء عن الأضواء والتركيز على تأمين إنتقال السلطة في حزب «الكتائب اللبنانيّة» إلى نجله النائب سامي.
وختمت المصادر السياسيّة المُطلعة كلامها بالتشديد على أنّ العماد عون يُراهن على فقدان خصومه السياسيّين، إن على الساحة اللبنانية الداخليّة أو على الساحة الإقليميّة والدوليّة الواسعة، القدرة على العرقلة، بفعل تسارع التطوّرات في المنطقة، وتحوّلها في إتجاهات لا تصبّ في صالح هذه القوى، وذلك بناء على موازين قوى سياسيّة وعسكريّة ستفرضها كل من روسيا دَولياً، وإيران إقليمياً، و«حزب الله» محلّياً. وأضافت: «وحدها الأيّام كفيلة بإثبات ما إذا كان رهان العماد عون في محلّه، أم أنّه مُجرّد تمنّ لا وجود لأسس متينة له».