IMLebanon

ماذا بين «القوات» و«الكتائب»؟

الآن، وبعدما هدأت زوبعة التوتر بين حزبَي «الكتائب اللبنانيّة» و«القوات اللبنانيّة»، انصرفت قيادتاهما إلى قراءة هادئة لما حصل، خصوصاً بعد اشتعال الحرب الكلاميّة بين مناصري الحزبين في مواقع التواصل الاجتماعي.

فالتوتر بدأ مع ما يسمى «تشريع الضرورة» الذي كان فيه نائب رئيس «القوات» جورج عدوان في الواجهة، في حين أعلن حزب «الكتائب» معارضته أيّ محاولة تشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي، وكان سبقها استياء «قواتي» من مقال نُشر على الموقع الالكتروني الرسمي لـ«الكتائب» وضع «القوات» بمنزلة «التيار الوطني الحر» من حيث التعطيل في ما يخصّ الملف الرئاسي والتعنّت وعدم إفساح المجال امام الحلول، ثم قضيّة «الغمز واللمز» الاعلامي بين رئيسَي الحزبين حول الترشّح لرئاسة الجمهوريّة، وقبلها كان استياء مناصري «القوات اللبنانية» من «الكتائب» التي شاركت في حكومة ارتضت فيها الجلوس مع «حزب الله» والعمل وفق بيان وزاري لا يتضمّن أيّ بند يحظّر مشاركته العسكريّة في سوريا، وغيرها.

هذه الحرب الكلاميّة على مواقع التواصل الاجتماعي عكست قلوب ملآنة، بل إنها أعادت فتح ملفات قديمة عن الخلافات بين «القوات» و«الكتائب» تعود إلى ما كان يحصل بين الشيخ بشير الجميل ووالده الشيخ بيار من جهة، وبشير وشقيقه أمين من جهة أخرى، إلى خلافات جعجع والجميل، ومسألة تعيين الأخير للعماد ميشال عون رئيساً للحكومة الانتقاليّة، وانتقادات الكتائبيين لحرب جعجع وعون وما أدت اليه من مآسي.

كلّ ذلك، دفع الى التساؤل عن خلفيّة نبش القبور ونكء الجراح، ما قد يجعل بعض المصطادين بالمياه العكرة، يستثمر تلك الأجواء لنسج سيناريوهات عن خلافات عميقة بين القيادتين، ليست موجودة في الواقع.

فقواعد الاشتباك تبدو محدّدة ومضبوطة بين الصيفي ومعراب. لكنّ الخوف من أن يستمرّ الوضع على ما هو عليه بين مناصري الحزبَين، فتفلّت الأمور من عقالها، ويصبح من الصعب التحكّم في العواطف والانفعالات التي في حال لم تُضبط قد تؤدّي الى تشرذمٍ أكبر داخل الصف الواحد.

من هنا كان لا بدّ من القيادتين إجراء قراءة معمّقة، فالجميع يعترف بأنّ «القوات اللبنانية» خرجت من صلب «الكتائب» ونخاعها الشوكي، و«القوات» كانت الذراع العسكريّة للقرار السياسي في «الكتائب» والحامية له.

وهناك إقرارٌ من الطرفين بأنّ ما يجمع هو التاريخ والشهداء والقضية الكبرى، وهما لا يزالان يحملان الهمّ نفسه، أيْ همّ الوجود الحرّ وكرامة الإنسان ومشروع الدولة القويّة الخالية من السلاح غير الشرعي.

تشريع الضرورة حرصاً على البلد؟

نبدأ من الشرارة التي أثارت الخلاف الأخير وهي مسألة تشريع الضرورة، فيبرّر مستشار رئيس «القوات اللبنانيّة» العميد وهبي قاطيشا سير الحزب بهذا المنطق «حرصاً على البلد واقتصاده، هذا ما كان يتطلب اقرار السلسلة والاوروبوند، والهبات المقيّدة بمهل اقترب موعد انقضائها. البعض اعتبر اننا نتنازل، لكن هل يجوز اتهام «القوات» بالتنازل، هي التي دفعت ثمن بقاء لبنان من دماء شهدائها؟

نحن نعرف انّ موضوع السلسلة قد يخسّرنا نقاطاً، لكن متى كانت «القوات» تتعامل مع الموضوعات بشعبويّة؟ تأخير إقرار «الاوروبوند» سيعرّض اقتصاد البلد إلى الانهيار، والجميع يعرف انّ الرئيس نبيه بري ربط إقرار «الاوروبوند» بتمرير السلسة، لذلك مضت «القوات» في ما يسمّى «تشريع الضرورة» ولو على حسابها؟».

أما الغمز واللمز في الاعلام بين الدكتور سمير جعجع والرئيس امين الجميل حول موضوع تنافسهما الرئاسي فكان غيمة صيف عابرة، لكنّ النائب ايلي ماروني يقرّ أنه كان هناك نوعٌ من الاستياء في صفوف «الكتائب» من كلام جعجع في المقابلة مع الزميل وليد عبود في الـ«ام.تي.في»، ويوضح «انّ الرئيس الجميل الذي اشار في مؤتمره الصحافي إلى المتصلّبين بمواقفهم حيال موضوع الرئاسة والذين لا يسحبون ترشيحهم، إنما كان يقصد العماد ميشال عون، لأنّ جعجع كان قد أعرب عن نيّته بالانسحاب إذا توافر مرشّح يستطيع تأمين إجماع حوله.

إضافة إلى ذلك، نحن في لقاء قوى 14 آذار، استطعنا أن نحصل على التفاف حول ترشيح الرئيس الجميل من كل القوى بما فيها «القوات»، لذلك لم يكن رئيس «الكتائب» بحاجة إلى غمز ولمز، لكن احياناً تُفسّر الأمور على غير ما هي عليه».

إعلام قوى 8 آذار استثمر ووظّف موقفَي رئيسَي «القوات» و«الكتائب»، هذا ما يؤكده قاطيشا، و»انا لا أرى حاجة إلى الكلام عن هذا الموضوع لأننا متفقان».

تنافس في الترشيحات

لكنّ الصراع على الاستقطاب في الشارع ذاته بين الحزبين سيبلغ ذروته مع أول استحقاق للانتخابات النيابيّة، وهذا ما يظهر جلياً من المرشحين والمناطق التي ينتمون اليها، حيث سيكون التنافس على أشدّه في بيروت والشوف وجزين والبترون والمتن وعكار والبقاع الغربي.

يعتبر قاطيشا «نحن و»الكتائب» و»المستقبل» يحق لنا أن نختار مرشّحين في كل المناطق، لكن عشيّة الانتخابات، سنجلس معاً ونركّب لوائح مشتركة في إطار تحالفنا». الأمر نفسه يشدّد عليه ماروني «يحقّ لكلّ حزب أن يختار مرشّحيه محاولاً إرضاء قواعده والراغبين بالترشّح، لكن عند تركيب اللوائح يتمّ الاتفاق الذي سيكون مُلزِماً ومُلزَماً للفريقين».

يضحك مستشار رئيس «القوات» العميد وهبي قاطيشا عندما يسمع عن خلافات بين «الكتائب» و«القوات» وهو يعتبر «انّ الأهداف الاستراتيجيّة واحدة، انما الخلافات التكتيكيّة تحصل، وهذا أمر طبيعي، بل هذا دليل عافية ويعطي زخماً أكبر في المجتمع السياسي، وما يجري الكلام عنه ليس سوى تضخيم إعلامي».

يتطابق موقف ماروني مع موقف قاطيشا لجهة تضخيم وسائل الاعلام لحالات الاختلاف بين الحزبين، ويؤكّد: «يجمع بيننا الكثير من القواسم المشترَكة والثوابت والمبادئ، ونحن و«الكتائب» ننتمي إلى حلفٍ واحدٍ هو «14 آذار»، لكننا في الوقت نفسه لكلّ منا قيادته وقاعدته.

اعتبر التنافس امراً طبيعياً بيننا، انما في بعض الاحيان لا يكون هناك انسجام في القرارات والتموضع التكتيكي كمسألة دخولنا في الحكومة ورفض «القوات» المشاركة فيها. الأهم في الموضوع أن نبقى موحّدين في الأمور الاستراتيجيّة التي لم نختلف يوماً عليها».

يتفهّم قاطيشا منطق «الكتائب»: «لم ترتقِ مسألة مشاركتهم في حكومة واحدة مع «حزب الله» إلى مستوى الخلاف الاستراتيجي معنا، لأنهم لم يغطّوا سلاحه او يصبغوا عليه صفة شرعيّة، وهذا ما نؤمن به. انهم يقولون نفضّل الجلوس معهم للبحث في المشكلة، أما نحن فلا نحبّذ الجلوس معهم لأننا لم نلمس نوايا جدّية لحلّ المشكلة، هنا يبقى الخلاف تكتيكياً».

مواقع التواصل سريعة الاشتعال

لكنّ هذا الكلام لا تعترف به منظومة التواصل الاجتماعي القابلة للإشتعال عند أوّل «زكزكة» بين الطرفين، فيرتفع منسوب الانتقادات لتبلغ حدّ الشتائم أحياناً. يرى قاطيشا انّ مَن ينبري إلى تعليقات حادة في مواقع التواصل الاجتماعي يحكم على الظواهر، لكنه مطمئن إلى انها تبقى مضبوطة ولا تتعدّى الخطّ الأحمر، ويلفت إلى «انّ هؤلاء لا يتجاوزون الـ10 في المئة من المحازبين، تُحرّكهم العواطف والمشاعر. أما على مستوى القيادات المتوسّطة والعليا فليس هناك ايّ خلاف».

بات كلُّ مَن لديه صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي قادراً على إثارة ازمة بين الحزبين، هذا ما يثير امتعاضَ ماروني الذي يقول: «للأسف انّ بعض المناصرين في الحزبين ينتمي إلى ثقافة «نحن أو لا أحد»، وهذا ما ينمّ عن جهل لعمل المؤسسات، وهؤلاء ينجرفون إلى ما يشبه العبوديّة للأشخاص، وتنطلق كلّ آرائهم من هذه العبوديّة. يجب أن يعرفوا انّ حريّتهم تنتهي عند حريّة الآخرين. فالحزبان يملكان الحريّة في خياراتهما، وهذا لا يعني الاساءة لبعضهما».

لكن في المقابل لا يمكن إلقاء اللوم على المحازبين، وبالتالي يجب الحرص من التلاعب بعواطف القاعدتين. ويستطرد ماروني: «من هنا على القيادات أن تنشر الوعي بين المحازبين والدعوة إلى التنبّه في ما يكتبون لأنّ قصصاً صغيرة وإشكاليات بسيطة ممكن أن تشعل صفحات التواصل الاجتماعي وتوتّر الوضع بين الحزبين، والخوف أن يعمل البعض على استغلال هذا الأمر وعلى بناء مشاريع بالاستناد اليه».

من جهته، يقلّل قاطيشا من خطورة المسألة، ويقول: «ما دمنا نحن و«الكتائب» متّفقين على الامور الاستراتيجيّة ونسير في الاتجاه الصحيح، تبقى هذه الظاهرة صحّية، والخلافات بين القاعدتين يمكن أن نصحّح مسارّها باستمرار بحيث لا ندعها تتجاوز الخط الأحمر».

تنسيق خجول

ماذا عن مستوى التنسيق بين الحزبين تفادياً للوقوع في هذا النوع من الاشكالات التي لا تخدم الشارع المسيحي؟ يعترف ماروني «انّ التنسيق ليس على نحوٍ دائم بل خجول، وهذا أمر مرفوض، يجب أن تكون هناك هيئة تنسيق تتولّى معالجة الأمور، ويجب تنظيم لقاءات دوريّة على مستوى النواب والقيادات بحيث تكون أكثر فاعليّة حتى نتمكّن من تجاوز الأمور الخلافيّة».

لم تبلغ التباينات والخلافات، وفق قاطيشا، حداً يتطلب تنسيقاً استثنائياً، «فالخلافات بسيطة ومسموح بها، لكن إن طرأ ما يستحق التنسيق لن نتردّد عن فعل ذلك، فنحن أبناء القضيّة نفسها، وليس لدينا شعور بأننا، نحن والكتائب، خرجنا عن قناعاتنا ورؤيتنا الواحدة للقضايا الكبيرة».

ولعلّ صرخة ماروني معبّرة عمّا هو مطلوب: «كفى المسيحيين انقساماً وتشرذماً، وصارت الوحدة إلزاميّة كي يواجهوا الأزمات التي تواجههم. من هنا كلّ خلاف كتائبي-قواتي غير مطروح وغير مقبول ولا نرضى به».