Site icon IMLebanon

ماذا يجمع اتهامات «الكهرباء» بـ«تسوية الترقيات»؟

لم يُثر اعلان الجنرال ميشال عون على أثر اجتماع «تكتل التغيير والاصلاح» تكليفه رئيس لجنة المال النيابية استدعاء وزير المال لمساءلته، استغراب المعنيين، بقدر ما كان ردّ الوزير المعني موضع تساؤل وحيرة بعدما اجتاز السجال بين الفريقين القضايا الخلافية المالية، الى حدّ التطاول في الشخصي.

لا حاجة للتذكير بأنّ العلاقة بين الرابية وعين التينة لم تستقم يوماً، وإذا ما حصل ذلك، يكون الاستثناء وليس القاعدة. كثيرة هي العقبات التي تحول دون انسجام الحليف وحليف الحليف وتجعل من مسار التفاهم الصعب بينهما مجبولاً بالصعوبات، وواقفاً على حافة الانهيار، تكفيه دفشة صغيرة كي يصير بالقعر.

ثمة جولات كثيرة من الكباش السياسي الموثق بالصوت والصورة بين الرجلين المفترض أنّ حلفاً متيناً يجمع بينهما، وكثيراً ما خرج الخلاف الى العلن وطاف به كوب التباينات. أما آخر تلك السجالات فكان حول شرعية مجلس النواب التي لطالما اشتكى من غيابها ميشال عون بعد التمديد الثاني للبرلمان، ما دفع رئيس المجلس الى الردّ مباشرة بأن عدم الاعتراف بشرعية المجلس يعني الاستغناء عن أصواته في الصندوقة الرئاسية.

في المقابل، ثمة جولات أخرى مكتومة الصوت لا تقلّ قساوة وتأثيراً على مجرى التواصل، آخرها الصراع الخفي الذي كان يحصل على طاولة مجلس الوزراء على خلفية شدّ الحبال حول آلية عمل الحكومة، حيث بدا أنّ الرئيس بري كان يضغط باتجاه تخفيف الأثقال عن هذه الآلية بخلاف رغبة وسعي «التيار الوطني الحر».

وقد انتهت هذه الجولة الى دعوة بري الى طاولة الحوار لإعادة دوزنة العلاقة ومحاولة التعويض على العونيين بتسوية تضمن بقاء العميد شامل روكز في السلك العسكري مقابل اعادة تفعيل مجلس النواب والحكومة، لتكون النتيجة عدم كسر الجنرال في منتصف معركته الرئاسية.

ولكنها المرة الأولى التي يتخطى فيها المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الحواجز الخلافية التقنية التي تبعد بين الفريقين، الى المجال السياسي، ليتهم جنرال الرابية بأنه «اعتاد التحديات الخاسرة» بعدما هدد رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» بنسف الحوار من خلال مقاطعته.

وقد أثار هذا السجال علامات استفهام كثيرة بسبب تزامنه مع كشف مضامين وثيقة الاتفاق السياسي ـ العسكري بعد تفخيخه ببند المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، حيث بدا وكأنّ هناك تلميحاً عونياً غير مرئي لدور ما سلبي من جهة عين التينة أدى الى تكبير حجر التسوية، واستطرادأً تهديدها بالتفجير، مع أنّ المتابعين لهذا الملف يجزمون أنّ الرئيس بري هو من قام بحياكة حبكاتها كي تأتي بنهاية سعيدة تعيد بعض الاستقرار السياسي الى الداخل اللبناني.

هكذا، يرى بعض المطلعين على موقف الجنرال أنّ هناك من يحاول التذاكي على الرجل واللعب معه على شفير الهاوية، في محاولة لدفعه الى تقديم مزيد من التنازلات وتدفيعه أغلى ثمن ممكن في سبيل تحصيل مكاسبه.

ولهذا بدا وكأن هناك ارتباطاً غير عضوي بين ما حصل صباحاً في لجنة الطاقة النيابية لحظة توجيه أصابع الاتهام الى وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» بهدر المال العام، وبين الرد من على منبر الرابية على التسلل المتعمد لمسألة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي لم تكن على جدول أعمال التفاهم المبدئي، وصولاً الى التهديد بكسر طاولة الحوار.

ولهذا، فإن أحداً ليس معفياً من المسؤولية التي لم يُلق القبض عليها بالجرم المشهود، كما يقول المطلعون على موقف ميشال عون، غير أن سوء الفهم الذي ساد منذ البداية ودفع بالجنرال الى مقاطعة الجلسة الثانية للحوار ومن ثم العودة عن مقاطعته، يزيد من علامات التشكيك.

ومع ذلك، فإنّ الطريق لم تقفل بين الفريقين، ولكن لا يُنتظر منها أن تصبح أوتوستراداً. الأرجح أنها ستحافظ على وتيرة الطلعات والنزلات التي استمرت بها منذ نشوئها، وستعود مساعي الترطيب والترقيع الى حراكها كي تلملم الخلاف قبل اتساع رقعة زيته.

أما قضية الترقيات، فيبدو أنّ السفيرين الأميركي والسعودي اللذين دفشا باتجاه تسويتها، عادا خلال الساعات الأخيرة الى مساعيهما لسحب فتيل التفجير وتنقيح الشوائب التي اعترت الاتفاق، علّه يمر هذه المرة بأقل الأضرار الممكنة.