تُواجه بكركي صعوبة في إيجاد مخرج داخليّ للأزمة الرئاسيّة، بعد المحاولات المتكرّرة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في إقناع النواب المقاطعين بالعودة عن أدائهم التعطيلي، والنزول الى مجلس النواب لإنتخاب رئيس للجمهورية.
حاول الراعي إعطاءَ الفرصة تلوَ الأخرى للنواب المعطّلين، وحرص على عدم قطع «شعرة معاوية» معهم، لربما يعودون عن قرارهم الذي أدّى الى تتويج عام من الفراغ الرئاسي ودخول العام الثاني، فيما «العدّاد ماشي».
دأب فريق «14 آذار» على لوم البطريرك الماروني لتحميله النواب مجتمعين مسؤولية الفراغ، وعدم تسميته الأمور بأسمائها، لكنّ الكواليس السياسية وما يدور في الاجتماعات المغلقة يكشف الكلام الحازم الذي وجَّهه الراعي الى رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون و«حزب الله» عن مسؤوليّتهما في عرقلة الاستحقاق، ورَهنه للتجاذبات الإقليمية والدولية.
وفي التفاصيل، علمت «الجمهورية» أنّ الراعي، وفي اجتماعه الأخير مع عون، طرح عليه مخارج لحلّ الازمة الرئاسية، وقال له «أنت مرشّح للرئاسة من جهة، والبلد من جهة أخرى، وإذا وَضعنا ترشيحك والبلد في ميزان، نحن معك لكن ليس على حساب الوطن، لأنْ لا أحدَ أكبر من لبنان، وكما يبدو فإنّ فرص إنتخابك رئيساً منخفضة».
ودعا الراعي عون الى التفكير في حلول ومخارج، فاستمهله عون طالباً منه مشاورة حلفائه على أن يأتيه بالجواب لاحقاً، فردّ الراعي: «شاور أنت حلفاءك وأنا أيضاً سأشاورهم عندما اجتمع بهم».
وعندما زار وفد «حزب الله» بكركي مرّتين، مرة علناً وأخرى بعيداً عن الإعلام، أخبرهم الراعي بما بحثه مع عون، وأنّ الجنرال سيأتيه بالجواب بعد الحديث معهم، لكنّ جواب الحزب عند كل فكرة كان يطرحها البطريرك بقيَ: «سنبحثها مع عون». عندها إستدرك الراعي الأمر، وأوضح لهم أنّ عون أخبره أنه سيشاورهم، فردّ الوفد: «الجنرال نطق بهذا الكلام؟ «خلّي هوّي يقِلنا»، فنحن معه بما يُقرّره في الشق الرئاسي».
عندها غضب البطريرك وقال: «ما بكم، أعرض على عون فكرة يُجيبني أنه سيبحثها مع حلفائه، وأسئلكم وتقولون إنّ الموضوع عند الجنرال، فكلّ واحد يرميها عند الطرف الآخر، ومعروف مدى تأثيركم فيه، وهذا يعني أنكم لا تريدون انتخابات رئاسية وأنّ سيناريو التعطيل سيستمرّ، فلو أردتم إجراء الإنتخابات الرئاسية لجلستم والجنرال، وفكّرتم في الوصول الى حلول جدّية بما يؤمّن إنتخاب رئيس للجمهوريّة».
إستنتج الراعي من جواب وفد «حزب الله»، أنّ هناك محاولة للتلاعب والإختباء وراء عون، خصوصاً أنْ لا ملامح تسوية إقليمية ودولية في الأفق القريب تحلّ الملفات العالقة في المنطقة وتنتج حلاً شاملاً يكون ملف رئاسة الجمهورية من ضمنه.
وفي هذا السياق، من غير المنطقي تحميل بكركي عبء ووزر الفراغ الرئاسي، لأنّ الشق الأكبر من الأزمة الرئاسيّة موجود في عواصم القرار، أمّا مهمة إقناع عون بالتخلي عن الرئاسة فشبه مستحيلة في الظرف الحالي، إذ قال أحد المطارنة منذ أشهر بصراحة: «مَن منكم يستطيع إقناع عون بالتخلّي عن طموحه الرئاسي، فأهلاً وسهلاً به، وليتفضل ويقم بهذه المهمة النبيلة التي عصِيت على الجميع».
يعرف بطريرك الموارنة جيداً مَن يعطّل الإستحقاق، لكنّه يحاول تدوير الزوايا والبحث عن حلول داخلية مع عون و»حزب الله» على إعتبار أنّ الجنرال متمسّك بترشيحه تحت شعار «وصول الرئيس القوي»، وقد عبّر البطريرك امام وفد النواب المسيحيّين عن تأييده المطلب لكِن ليس الوسيلة التي يَعتمدها الفريق المعطّل، لأنّ ضرب الرئاسة يُعطّل كلّ البلد.
في المقابل يراهن الراعي على حراك النواب المسيحيين، مع عدم تعليق آمال كثيرة عليه في الوقت نفسه، على رغم أنّ الشقّ الداخلي يشكل عاملاً مساعداّ، إلّا أنّ حسابات «حزب الله» الإقليميّة، وإصرار عون على ترشّحه فيما يرفضه الفريق الآخر لأسباب سياسية، يجعل المهمّة الضرورية… مستحيلة.