ليس سهلاً على سعد الحريري ان يقيم كل هذا التوازن الذي يقوم به اليوم بين دوره كرئيس حكومة ورئاسته لتيار المستقبل وبين زعامته السنية التي قد تتعرض للاغتيال في بيئته السياسية على خلفية تحوله السياسي الكامل، وليس عادياً عليه كما تقول اوساط مقربة منه ان يسمع كل الكلام السعودي بحق «حزب الشيطان الأكبر» من الحليف السعودي وان يكون على وئام غير مسبوق وغير مألوف مع رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر وان يكون على مسافة قصيرة تفصله عن «طي صفخة قاسية مع حزب الله «لولا استمرار التباين والاختلافات العميقة في السياسة، فرئيس الحكومة الذي يتلقى الضربات واحدة تلو الاخرى وقف بداية مذهولاً مما اصاب وتعرضت له 14 آذار بعد معركة الجرود، وحاول تقليل مخاطر صدمة استشهاد العسكريين وتداعياتها على فريقه السياسي بعدما ذهبت التفسيرات والتحليلات الى تحميل فرق 14 آذار سابقاً وحلفائه جزءاً اساسياً مما جرى في عرسال عام 2014 على خلفية رفض هذا الفريق الاقرار في حينه بمشروع الارهاب، وحيث كان هذا الفريق يسعى الى اقامة ما يعرف بتوازن القوى بين حزب الله والمجموعات الارهابية، وعليه قرر رئيس الحكومة استيعاب الحالات الصدامية والتعامل بواقعية مع الاحداث والمتغيرات، فتحرك رئيس الحكومة أولاً باتجاه دارة آل سلام مبرئاً رئيس الحكومة السابق من تهمة التخاذل في حينه او عدم المبادرة في القرار السياسي من الحكومة للجيش لاتخاذ التدبير اللازم لتحرير العسكريين، ولأن الحريري قال ما قاله وهو لا يزال منذ عملية «فجر الجرود» ملتزماً سقف التسوية اتت الاشادة من حارة حريك ومن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حول أداء الحريري «بعقلانية وعدم وجود موانع للحوار الثنائي معه من جهة قيادة حزب الله. هذا الكلام الذي حملت الاوساط وجهين وتفسيرين متناقضين، فاما ان حزب الله مرتاح فعلاً لتصرف الحريري والتعاطي الايجابي مع المتغيرات وتبدل المعطيات على قاعدة انه لا يزال ملتزماً بالتسوية، او ان حزب الله تقصد إحراج الحريري او حاول جس نبضه حيال مواقف وزير الدولة السعودي الذي لا يتوانى عن كيل الاتهامات والتوصيفات للمقاومة ولا يزال يصول ويجول ويعبر في لقاءاته اللبنانية وغير اللبنانية عن عدم رضى لبعض ما رافق عملية «فجر الجرود» لجهة تسليم حزب الله التفاوض مع «داعش».
بدون شك فان كلام حزب الله لم يأت من العدم ، بل بناء على احداثيات لدى الحزب واشارات التقطها من رادارات معينة وبناء على معطيات دقيقة ومتابعة ميدانية لمواقف وتبدل خطاب رئيس تيار المستقبل، فرئيس الحكومة لا يملك منذ التسوية الرئاسية اوراقاً كثيرة كما في السابق تجاه حزب الله، لم يعد بامكان الحريري بعد التحرير والنصر في عرسال وبعد العمليات النوعية للجيش اللبناني وبعد تحرير الجرود ان يقف في الصف المتفرج على الأحداث وان لا يصبح طرفاً اساسياً في المعركة على الارهاب، وهو في ذلك وفق الاوساط المقربة منه، ومن خلال الحكومة التي يترأسها اصبح الطرف المدني المقاوم الذي خاض معركة الجرود الى جانب بعبدا، والحريري في المحافل الدولية لم يعد محسوباً بانه الفريق الخصم لحزب الله بل هو رئيس لحكومة يتمثل فيها حزب الله وفريق 8 آذار سابقاً وعليه فان زيارته الى واشنطن ظهَرت هذه الصورة، اذ لم يتحول الى خصم لحزب الله فاكتفى بسماع الموقف الأميركي العدائي لحزب الله وهو ليس بموقف جديد بل تتمة لمواقف الادارة الأميركية العدوانية تجاه حزب الله بدون ان يبادر سلباً او من تحت الطاولة الى استرضاء الجانب الاميركي.
بدون شك فان رئيس الحكومة من موقعه ايضاً كرئيس تيار المستقبل حريص على تأمين الانتقال الهادىء لتياره الى كنف الدولة والشرعية بحسب الاوساط نفسها، وثمة تشديد مستقبلي على تأمين الاستقرار والامن والتزام النأي بالنفس عما يحصل في الخارج وفي حين ان مواقف الحريري كانت تحفل بالتشنج ضد حزب الله والتصعيد فان الحريري الذي يقوم بانعطافة تجاه الضاحية يسير بين أحرف الكلام وهو الذي يدرك انه احد عرابي التسوية الرئاسية الى جانب حزب الله كل من موقعه السياسي ولادراكه الدور الذي قام به حزب الله وتأثيره في تسريع الولادة الحكومية.
واذا كان ثمة من يقول ان الحريري يقول الشيء ونقيضه في آن معاً ، يرغب بالتعاون السياسي مع حزب الله وينتقد سلاح حزب الله وتدخل حزب الله في الحرب السورية بطريقة مرنة وهادئة ويرفض التنسيق مع النظام السوري، ولكن الحريري اليوم لا يشبه الحريري نفسه بالأمس تؤكد الاوساط المقربة منه، بدون شك فان الحريري احد اللاعبين والمؤثرين الاساسيين في انتخاب ميشال عون رئيساً، فهو ذهب الى السير بمرشح من فريق 8 آذار والى طاولة الحوار بخلاف وجهة نظر عدد من قياداته الامر الذي جعل اخصامه او فريقاً من داخل المستقبل يقفز فوق رأس الحريري وهذا ما فعله أشرف ريفي عندما حصد بخطاب متطرف لـ14 آذار الاصوات السنية في الانتخابات البلدية في طرابلس مسقطاً الحريري بالضربة القاضية.
فالواضح اليوم كما تقول الاوساط نفسها ان الحريري يحاول ان يحمل الطابتين في اليد الواحدة، فهو يريد التعاون المطلق مع العهد وفي الوقت نفسه يحاول ان يكون الزعيم الأوحد للطائفة السنية والمدافع عنها وعن قياداتها وزعاماتها ويحاول استعادة جماهيره التي خسرها وتعبئتها بالشعارات التي تناسب المرحلة القادمة بعدما فقد زمام الاثارة لدى جمهوره الذي ذهب في الانتخابات البلدية الى الخطاب المتطرف والحماسي ضد المستقبل، وفي هذا الاطار تأتي زيارته الى دارة آل سلام وحديثه عن عدم الانجرار الى الفتنة السنية ـ الشيعية.