لم يكن موقف «حزب الله» من قرار السلطات البحرينية القاضي باسقاط الجنسية عن المرجع الشيعي الشيخ عيسى قاسم، سوى انذار أخير لنظام آل خليفة، يعلنها صرخة صريحة انكم بهذا القرار تلامسون اقصى الخطوط الحمراء وتخطون بأيديكم دعوة مباشرة الى العنف والفوضى وخراب البلاد.
فقراءة متأنية في أبعاد بيان الحزب يتبين انه لم يصدر بهدف ادانة ما جرى في هذا السياق، او انه لتسجيل موقف من قضية ملتهبة بمعزل عن الدلالات الاخرى، بل انه يحمل تحذيراً صارخاً يصل الى القول الصريح لنظام ال خليفة ومن ورائه النظام السعودي بأنكم أدخلتم البحرين في أتون المحنة الحقيقية التي تعاني من ويلاتها شعوب وأقطار عربية أخرى في المنطقة وانكم بهذا القرار تجاوزتم كل المحرمات.
فالحزب ينظر الى المرجع الشيخ عيسى قاسم على انه المرجعية الدينية الاعلى للشيعة في البحرين وهو الرمز الديني والوطني الاول في البلاد وهو الذي حفظ ذاك البلد الخليجي مرات ومرات في عز المحن التي عرضته السلطة لها وأمسك بالشارع وكان يطلب العض على الجراح كلما أمعنت سلطات البحرين قمعاً وتنكيلاً بمواطنيها العزل، وهو الذي حقن الدماء عندما تجاوزت السلطات البحرينية حدودها في اعتقال رئيس جمعية الوفاق المعارضة الشيخ علي سلمان، وهو الذي عاد وأمسك بالشارع المحتقن عندما حلت جمعية الوفاق كإجراء تعسفي كيدي من دون ان تقيم اي وزن لأي اعتبار انساني او قانوني دولياً كان او محلياً او حتى ديني واخلاقي واجتماعي، ولا سيما ان هذه الجمعية السياسية تمثل أوسع أطياف المجتمع السياسي البحريني وكان لديها عدد وازن من اعضائها في البرلمان والمؤسسات التمثيلية في المجتمع البحريني.
يبدو في قراءة الحزب أن الامور هذه المرة مختلفة جذرياً، فالنظام البحريني الان يتعرض لأعلى سلطة دينية في البلاد يمثل الغالبية الساحقة من شعب البحرين بمن فيهم الشريحة التي لا تستسيغ العمل السياسي، وهنا يكمن أحد أكثر الأوجه خطورة، لأن نظام آل خليفة بإجرائه هذا يكون قد قرر فتح الحرب على غالبية الشعب البحريني من دون حسابات.
في بعده الثاني يرى الحزب ان قرارا باسقاط الجنسية عن عالم جليل كالشيخ عيسى قاسم، هو أشبه بقرار وحشي خارج عن السياق الانساني المألوف، ذلك ان اي متهم يقدم الى القضاء ويحاكم بالتهم المنسوبة اليه، فما الذي يعنيه عقاب اسقاط الجنسية ومن هو الذي يملك هذا الحق ليسقط الجنسية عن اي مواطن عادي؟ فكيف عن مرجعية تمثل اكثر من ثلثي المواطنين دينياً واجتماعياً ؟وعليه فإن الاستنكار والادانة التي تضمنها بيان الحزب، مستندة الى ان الحكومة البحرينية لا تقرأ في السياسة بقدر ما تتصرف على ايقاعات الاحقاد الذاتية والانانيات والديماغوجيا السياسية، ولذلك لجأت الى هذا التصعيد الخطر في هذه المرحلة الصعبة من قبيل الهروب الى الامام بدلا من ان تعالج اشتباكها مع غالبية الشعب البحريني وقواه الحية والناشطة في المجالات الدينية والسياسية والقانونية والانسانية، بل على العكس من ذلك فهي تمارس التصعيد غير المسبوق وقد لجأت هذه المرة الى المس بالمحرمات والممنوعات الدينية والانسانية والاخلاقية والعرفية والدولية بقرار اسقاط الجنسية عن الشيخ قاسم.
حزب الله يؤكد على ان الحراك البحريني لطالما كان حراكاً سلمياً بجهود الشيخ قاسم الذي كان «يفرمل» اي اندفاعة في اي اتجاه، كل مرة تحاول فيها السلطة جر المتظاهرين سلمياً الى الصدام والعنف، وحتى حين كانت تعلن عن مقتل افراد من الشرطة، ورغم ان تلك العمليات كانت تتم على ايدي اجهزة الشرطة نفسها وادوات القمع فإن الشيخ قاسم وكل المنظومة الدينية التي تسير بفلك توجيهاته كانت تشدد على الامتناع عن الانزلاق الى لعبة العنف ومقابلة السلاح بالسلاح، كما تؤكد بما لا يرقى اليه الشك على سلمية الحراك وضرورة المحافظة على سلميته، وكان الجميع يدرك في حينه ان صاحب الفضل الاول في ابقاء الحراك سلمياً هو المرجع البحريني الشيخ عيسى قاسم، وانه هو شخصياً من لم يسمح يوماً بأي شكل من أشكال عسكرة الانتفاضة التي لطالما سعت السلطات البحرينية الى إلصاقها بالمسيرة السياسية للقوى المنضوية في اطار تحالف المعارضة المعروف بـ(قوى 14 فبراير 2011) وهو اليوم التاريخي الذي ازالت فيه السلطة نصب اللؤلؤة الشهير في المنامة، اثر التظاهرات الشعبية المطالبة بالاصلاحات السياسية وبمجرد تعديل حكومي، ودخلت على أثره قوات من الجيش السعودي الى البحرين للمساعدة في قمع الانتفاضة، وما تزال.
وانطلاقاً من هذه الثابتة فإن «حزب الله» يقرأ بين سطور القرار باسقاط الجنسية عن الشيخ قاسم ما يؤكد على ان السلطات البحرينية ماضية في تطبيق اجندة جر البلاد الى الاحتراب الاهلي والى العنف والفوضى، وهذا أخطر ما في الموضوع، لان قاسم نفسه هو صمام الامان الذي ما يزال يمنع الانزلاق الى الحرب الاهلية، وعندما تصوب السلطة سهامها اليه بالذات فإنها بذلك تريد ان تضرب سلمية الحراك، وتعسكره لغاية في نفسها، وما صرخة الحزب وندائه للبحرينيين في بيانه بالامس الا للتحرك في اطار حرصه على الحراك، والانتباه لمحاولات حكومة آل خليفة الخطرة.
ينظر الحزب الى ان ثمة لجاناً وممثلين عن الاطراف في الازمة اليمنية يتفاوضون ويتبادلون المطالب والشروط سواء في الكويت او في جنيف قبل ذلك او حتى في الرياض نفسها، وفي الازمة السورية ايضا هناك مفاوضون وشروط وشروط مضادة والخ. وفي ليبيا ايضا هناك مفاوضات جارية بين اطراف الازمة وممثليهم، الا في البحرين، وحيث الحراك ما يزال سلمياً، وثمة إصرار على إبقائه كذلك، فليس هناك حتى من يستمع الى مطالب البحرينيين وقواهم الحية والتي تمثل الغالبية الساحقة للمواطنين، وذلك نتيجة سببين اساسيين اولهما ان النظام السعودي لا يوافق على اي مقاربة للازمة البحرينية سوى برسائل القمع والاضطهاد لشعبه الثائر ولا يسمح حتى للنظام البحريني بان يفتح اي باب من ابواب الحوار مع المعارضة، وثانيهما الصمم الذي أصاب آذان المنطمات العالمية والمحافل الدولية والقوى الكبرى المعنية التي تصم آذانها وآذان العالم كله عن سماع صرخة البحرينيين وتشيح بأبصارها عما حل بهم من مصائب وكوارث وويلات نتيجة القمع الوحشي الذي يمارسه نظام آل خليفة عليهم.وهذا السكوت والصمم هو ما تقرأ فيه السلطات البحرينية على انه جرعات دعم إضافية يجعلها ترفع وتيرة ممارستها للقمع والتوحش فيه من دون ان تخشى اي ردة فعل مفترضة من المجتمع الدولي من شأنه ان يضع حداً لتماديها هذا. وهذا بالذات ما قصده الحزب عندما اطلق الصرخة في اتجاه شعب البحرين ليتحمل مسؤولياته في هذا الاطار، ويبارح اوهام المراهنة على المنظمات الدولية او الدول الغربية، والا يراهن الا على نفسه بالاتكال على الله، من خلال «التعبير الحاسم عن غضبه وسخطه»، من دون ان يكون المقصود بذلك الاحتكام الى العنف المسلح او سوى ذلك مما يريده النظام الذي يدفع الناس باتجاه الخيارات الصعبة، ولكن على قاعدة عدم اسقاط أي خيار تحتمه التطورات، فالسلطة تدفع الى العنف والبحرينيون هم الذين سيحددون السبل التي يعبرون بها عن انفسهم.