من حق اللبنانيين أن يتساءلوا في هذه الحقبة، اذا ما كانت التراكُمات هذه المرة أصعب واشد تعقيدا من كل الأزمات التي اجتازتها شعوب المنطقة. لكن الواقعية تفرض الاعتراف بأن «الحرب» التي دقت الابواب، قد تحمل في طياتها فسحة أمل، على المدى الطويل.
منذ أن دخل تحالف دول الخليج العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية الحرب في اليمن بين 25 و26 آذار الجاري، تمحورت التساؤلات المطروحة في لبنان، حول التداعيات المحتملة لهذا الصراع على الوضع اللبناني الداخلي، وتحديدا على الاقتصاد.
واذا كان القلق الاساسي يتعلق بمخاطر انتقال الصراع الى لبنان، أمنيا وسياسيا، فان التوافق المبدئي على الحياد، والمتمثّل في الحوار السني-الشيعي الداخلي، قد يسمح بالاعتقاد ان شرارة الحرب بمفهومها العسكري المباشر، لن تصل الى لبنان. ومع ذلك، فان الانعكاسات الاقتصادية هي موضع تساؤل.
في هذا السياق، يمكن الفصل بين الانعكاسات المباشرة على المدى القصير، والانعكاسات المتوقعة على المدى الطويل. وفي الوضعين، لا بد من التشديد على ان لبنان الرسمي ينبغي ان يكون في موضعه الطبيعي الى جانب العرب، وهذا ما حاول ان يحققه رئيس الحكومة تمام سلام.
لكن المخاطر تظهر في مكان آخر، اذ ان مواقف القوى المحسوبة على ايران (حزب الله)، من شأنها ان تنعكس سلبا، على اعتبار ان المواقف التصعيدية التي يتم اطلاقها سوف تؤثر بطريقة او بأخرى على اللبنانيين العاملين في الخليج، وتحديدا على الافراد المحسوبين على الحزب، او الداعمين للمحور الايراني بشكل عام.
هذا الواقع يمكن ان يؤدي الى تسريع وتكثيف طرد القوى العاملة في هذه البلدان، والتي قد يكون اصحابها من المحسوبين على المحور الايراني، وهذا يعني واقعيا، تعرّض الشيعة بشكل خاص الى عمليات استبعاد.
وهنا لا بد من الاشارة الى خطورة التلاعب بمصير اللبنانيين، ومصير الاقتصاد اللبناني الذي يعتمد بشكل اساسي على منطقة الخليج الحيوية من نواح عدة، من أهمها:
اولا – القوى اللبنانية العاملة في الخليج، والتي تضخ سنويا مليارات الدولارات في الاقتصاد الوطني، سواء عن طريق الايداعات في المصارف، او عن طريق تمويل الانفاق للعائلات، او عبر الاستثمارات وشراء العقارات. كما يشكل اللبنانيون العاملون في الخليج محركا للسياحة، ولكل القطاعات المرتبطة بها. (عدد اللبنانيين في الخليج حوالي 150 الف لبناني).
ثانيا – تشكل اسواق دول الخليج السوق الاول والأهم لتصدير المنتجات اللبنانية. وتشير الاحصاءات الى ان السعودية ودولة الامارات تستوردان وحدهما ما نسبته حوالي 25% من مجموع الصادرات الصناعية اللبنانية.
ثالثا – تشكل المساعدات الخليجية الدورية متنفسا اساسيا للبنان. وما الهبة السعودية الى الجيش اللبناني، والى القوى الامنية الشرعية، والتي بلغ مجموعها حوالي 4 مليار دولار سوى نموذج لأهمية هذه المساعدات.
بالاضافة الى كل ذلك، فان لبنان المتورّط في هذا الصراع من خلال وجود حزب الله كطرف مسلح، داعم لايران، كان يمكن أن يتحول ملاذا آمنا للخليجيين الراغبين في الابتعاد عن الحرب في هذه المرحلة، وهو بالتالي كان يستطيع ان يستفيد من بعض الايجابيات، والتي قد تتمثل بلجوء عدد من الخليجيين اليه، او انتقال بعض الاستثمارات الى ارضه.
الى ذلك، فان موقف حزب الله المتقدم في التهجّم على دول الخليج، والذي قد يُسرّع في طرد اللبنانيين الشيعة في هذه البلدان، ويقلّص حجم التحويلات، يمكن ان يفاقم أزمة البطالة في الداخل.
انطلاقا من هذا الواقع، لا بد من التأكيد ان لبنان، وفي حال نجح في لعب دوره الطبيعي كعضو مؤسس في جامعة الدول العربية، فانه سيكون امام فرصة نادرة لتحسين اقتصاده، وجذب الاستثمارات الخليجية، والمساعدات التي ترافق هذه العملية.
ومن البديهي، ان حكومات دول الخليج التي تدعم لبنان الرسمي في كل الاوضاع، ستكون اكثر سخاء معه في حالة الحرب، وعندما يكون داعماً، في السياسة للقضية المحورية التي من اجلها قرر العرب الذهاب الى الحرب.
وحتى احتمال ارتفاع اسعار النفط – وهو احتمال لا يزال ضعيفا حتى الان، بدليل ان الاسواق امتصت تداعيات الصدمة الاولى عندما ارتفع سعر النفط قليلا، وهو اليوم يعود الى المستويات الطبيعية- لن يؤثر سلبا على الاقتصاد اللبناني، لأنه قد يحصل على نفط مدعوم اذا كان في موضعه الطبيعي في الصراع.
المخاطر الاقتصادية القريبة واردة مع استمرار وتوسّع الحرب في المنطقة، ومع الانقسام الداخلي الذي يمنع الحكومة اللبنانية من اتخاذ الموقف الصريح الذي يساعد البلد على امتصاص اية انعكاسات.
لكن، وعلى المدى الابعد، يمكن استشفاف مرحلة أفضل في المستقبل، خصوصا ان اليقظة العربية سوف تنعكس على المزاج العام في المنطقة، وستفتح الشهية على الاستثمارات، على اعتبار أن مكمن الخطر المتمثل في توسّع الامبراطوريات قد ولّى، وحلت مكانه طموحات واحلام تستند الى ان «الحزم» يعني الثبات، والثبات يعني الاستقرار، والاستقرار هو الطريق الاقصر الى الاستثمارات والاعمال والازدهار. والمهم ألا يتم دفع لبنان الى خارج الخط، لكي يستفيد من «خيرات» ما بعد الحرب.