الدفاعات السورية تُسقط طائرة معادية في مهمة مشبوهة
ماذا يفعل الأميركيون في سماء اللاذقية؟
أسقطت سوريا طائرة أميركية أمس. لم يقع حدث مماثل منذ عام 1983، عندما أسقط الجيش السوري طائرة أميركية فوق البقاع اللبناني. الفارق أن طائرة الليلة الماضية غير مأهولة. لكن أسئلة كثيرة تُطرح حول مهمتها المشبوهة فوق الساحل السوري، وتداعيات ما جرى
ماذا بعد إسقاط الجيش السوري طائرة أميركية فوق اللاذقية أمس؟
الحادثة هي الاولى من نوعها ــ علناً على الأقل ــ منذ بداية الحرب في سوريا. طائرة أميركية من دون طيار، محمّلة بالصواريخ، تُستخدم للاستطلاع ولضرب أهداف أرضية، أسقطتها الدفاعات الجوية السورية. الطائرة الآتية من فوق البحر المتوسط، كانت تحلّق في أجواء محافظة اللاذقية الساحلية عندما أسقطها صاروخ سوري.
كانت الطائرة مجهولة الهوية في بداية الحدث. لكن وسائل الإعلام السورية الرسمية سارعت إلى نشر خبر إسقاط الطائرة، معلنة أنها أميركية. واللافت أن وكالة «سانا» الرسمية للأنباء، كما باقي وسائل الإعلام الرسمي السوري، عادت بعد قليل لتحذف كلمة «أميركية» من الخبر، مكتفية بوصفها بالمعادية. وقبيل منتصف الليلة الماضية، نقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مسؤول أميركي ــ لم تذكر اسمه ــ قوله إن بلاده فقدت الاتصال بطائرة من دون طيار فوق سوريا، فيما قال مسؤول آخر للوكالة ذاتها إن الحادث يخضع للتدقيق بهدف التحقق ممّا إذا كانت الطائرة قد أسقِطَت أو أن خللاً ما أدى إلى سقوطها. رد الفعل الأميركي بارد إلى حد بعيد. ومن المبكر الحسم بما إذا كان مجرد الإعلان عن فقدان الطائرة مقدمة لرد فعل عسكري ما، أو أن برودة الاعلان، بعد نحو أربع ساعات على وقوع العملية، تعني أن واشنطن «ستبلع» ما جرى، وتلجأ إلى التنسيق مع الجيش السوري في عملياتها التي تقول إنها تنفذها ضد مسلحي «داعش» وبعض المجموعات التابعة لتنظيم «القاعدة» في سوريا . ومن المستغرب سلوك الطائرة، من دون تنسيق مسبق، هذا المسار المعروف بأنه يخضع للرقابة المشددة من قوات الدفاع الجوي السوري، وسبق أن أسقط فيه الجيش السوري طائرة حربية تركية في حزيران 2012. كذلك فإن السؤال الذي يُطرح تلقائياً هو عن هدف الأميركيين من خرق السيادة السورية من هذه المنطقة تحديداً.
الطائرة الأميركية سلكت مسار الطائرة التركية التي أسقطتها سوريا عام 2012
فإذا كانت الطائرة تهدف إلى تنفيذ عملية ضد «داعش» أو «جبهة النصرة» أو غيرهما من التنظيمات «القاعدية» في ريف إدلب أو ريف حماه القريبين من محافظة اللاذقية، فلماذا سلوك هذا المسار بدلاً من المسارات التي سبق أن سلكتها الطائرات عندما نفّذت عمليات سابقاً في ريفَي إدلب وحلب؟ أم ان الطائرة كانت في مهمة استطلاعية أو عملانية لا صلة لها بـ»داعش» وأخواتها؟ وفي حال كانت واشنطن تنسّق ــ عبر العراق ــ مع الجيش السوري لضرب مسلحي «داعش» في الشمال والشرق السوريين، فلماذا لم تفعل الأمر نفسه في المنطقة الغربية؟ (حتى لو لم يقرّ الطرفان السوري والأميركي بوجود هذا التنسيق، فإن العمليات الجوية لكل منهما في منطقة الحسكة، مثلاً، توجب وجود حدّ أدنى من «أخذ العلم»، لأن مسرح عملياتهما واحد). وهل أتت الطائرة من تركيا التي تدير منها وكالة الاستخبارات الأميركية قاعدة طائرات من دون طيار؟ وفي هذه الحالة، لماذا لم تعبر من فوق المناطق التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» وحلفاؤها، وهي أجواء آمنة نسبياً للطائرات؟ أم أنها انطلقت من القاعدة البريطانية في قبرص أو من حاملة طائرات في عرض البحر أو من فلسطين المحتلة؟ وهل تعمّدت واشنطن خرق السيادة السورية من فوق الساحل السوري لجسّ نبض الدولة السورية وقدراتها في مجال الدفاع الجوي؟ أسئلة تصعب الإجابة عنها قبل مرور بعض الوقت على ما جرى أمس، لكن الإجابة ربما تساهم في رسم علاقة واشنطن بدمشق في المرحلة المقبلة.
في اللاذقية، شاهد أهل المدينة وبعض ريفها الجسم المشتعل الذي أسقطه صاروخ سوري، ليهبط في البساتين الواقعة بين رأس شمرا (أوغاريت الأثرية) ودمسرخو، فيما سادت حال تأهب أجواء المدينة، واستنفر الخيال الشعبي لاحتمالية هبوط طيار غير موجود من الطائرة المستهدفة. ورغم كثرة الشائعات، أكدت المصادر العسكرية، خلال دقائق من إسقاط الطائرة، أنها غير تركية، مكتفية بتسميتها: «معادية».
سياسياً، كانت تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن استعداد بلاده للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد لا تزال أمس موضع انتقاد، وخاصة من حلفائه. رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وجّه انتقاداً قاسياً لكيري، من دون أن يسميه، قائلاً إنه «لا فرق بين مصافحة الأسد، وهتلر، و(سلوبودان) ميلوسوفيتش، ورادوفان كاراديتش، وصدام حسين». وأضاف داود أوغلو: «عندما تعتبر الديمقراطية وحقوق الإنسان من الحقوق الأساسية في أوروبا وأميركا، ولا تعتبر كذلك من حقوق من ينشدونها في مصر وسوريا، ويتم التعاون مع النظامين السوري والمصري، فلن تبقى لكم مصداقية في العالم». من جهتها، قالت مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، لموقع «المنار» إن «ما يجري الحديث عنه اليوم من تغيير في مواقف بعض الدول تجاه سورية ما هو الا تغيير إعلامي، فيما المطلوب هو تغيير جدي على مستوى محاربة الارهاب، ابتداءً من الدول الاقليمية التي تموّل هذا الارهاب وصولاً الى المجتمع الدولي». على صعيد آخر، وجّهت وزارة الخارجية السورية انتقاداً قاسياً للاتحاد الاوروبي، واصفة نهجه بـ»القاصر»، ومتهمة إياه بالخضوع لسياسات فرنسا وبريطانيا اللتين «ما زالتا تمارسان سياسات من شأنها توريط الاتحاد الاوروبي في مواصلة العدوان على سوريا والمشاركة في سفك الدم السوري». ورأت أن آخر مثال على موقف الدولتين كان «إعلان الاتحاد الاوروبي (أول من) أمس الاثنين نيته الاستمرار في فرض عقوبات جديدة على الشعب السوري».