لا شيء.. لا ينتظر اللبنانيّون شيئاً من العام الجديد، اعتاد اللبنانيّون أن تعاقب السنوات في لبنان لا يُغيّر إلا من سيىء إلى أسوأ، ويُدرك اللبنانيّون أنّهم يعيشون في بلد يمشي على «السُّبحانيّة» وأنّهم يعيشون بـ»اللطف الإلهي»، وأنّ هذه السفينة الكبرى المسمّاة «لبنان» تتهادى وسط عواصف المنطقة وأنّ ما ينقذها من الغرق هو عدم انتظار اللبنانيّين شيئاً من دولتهم ولا من الفرقاء المتناحرين في لبنان إلا أن يكفّوا شرّ خلافاتهم عنهم، ولا ينتظرون من المتصارعين في المنطقة وعليها إلا «أن يحلّوا عن ضهر هالبلد»!
عدم الانتظار هذا يساعد اللبنانيّين على الاستمرار، يشعرهم أنّهم شعبٌ يتّكل على نفسه، شعبٌ يملك ألف حلّ لمئة معضلة، عدم الانتظار ينقذهم من الإحساس بالخيبات المتتالية من دولة تعدهم ولا تفي، دولة تأخذ منهم بل تستنزفهم ولا تعطيهم أبسط حقوقهم كمواطنين، سنوات الحرب الأهليّة علّمت اللبنانيّين غريزة البقاء على قيد الحياة، عاشوا خمسة عشر عاماً بلا دولة، عاشوا وبين أيديهم «تهرهر» الدولة اللبنانيّة، ومع هذا ظلّوا كمواطنين يدفعون للدولة فواتير خدمات لم تكن تصلهم حتى، دفعوا فواتير الكهرباء والمياه والهاتف والضرائب، «الدولة» بالنسبة للشعب اللبناني «قيمة» و»خلاص» وهم متمسّكون بها مهما كانت عاجزة و»فارطة» وإن كانت مشرفة على الغرق!
هذا الشعب»مدرّب» على التمسّك بالحياة، وعيشها بالرّغم من كلّ ظروف القهر الكافية لإحباط العالم، وليس لبنان فقط، اللبناني «حويط»، احتاط طوال سنوات الحرب لمفاجآتها، احتاط من انقطاع السكّر والطحين والخبز والماء والكهرباء منذ زمن الشمعة قنديل الكاز إلى زمن بطارية السيارة إلى زمن موتورالكهرباء، احتاط من تحطّم زجاج منزله بفعل القصف فألصق عليه النايلون اللاصق ليمنع تناثره، احتاط لانقطاع البنزين، احتاط لكلّ أنواع «الفقد» واحتاط بأكياس الرّمل تحمي مداخل المباني والبيوت، فقولوا لنا بالله عليكم من هو القادر على «تيئيس» هذا الشعب؟!
عاش اللبنانيّون بحكومات وبلا حكومات، بمراسيم جوّالة، وعاشوا بانقسام وبوهم وحدة، وعاشوا من دون رئيس جمهوريّة، وبحكومتيْن، وبجيشيْن، وكانوا على قدر كبير من المسؤوليّة، عاشوا بدولة لها هيبة، وفي دولة فقدت هيبتها، وعاشوا وكان هناك دائماً مواطنون تحت القانون وآخرون خارجون على القانون، شكّلوا حكومة بعد عشرة أيام أم لم يشكّلوها، حلّ السياسيّون أزماتهم التي افتعلوها وأدخلوا البلد بسببها في متاهة أم لم يحلّوها، «ستّين عمرهم» لا حلّوها، و»ستّين سنة وسبعين يوماً ما يشكّلوا حكومة»، لبنان «فيهن وبلاهن» باقٍ برغم أنف كلّ الذين لا يريدون له البقاء إلا ضعيفاً وهزيلاً ومحتلاً أيضاً!
هذا التعطيل السياسي المستمرّ سيدفع ثمنه الذين اصطنعوه، إن كان هناك ما ينتظروه اللبنانيّون من العام 2019 فهو أن يذهب العامُ الجديد بهذه الطبقة السياسيّة إلى الجحيم، الأغلبيّة الصامتة من الشعب اللبناني تُدرك أنّ قدر وطنهم أن يكون في وجه كلّ عواصف المنطقة وصراعاتها، لا نستطيع أن نغيّر الجغرافيا، ولا يستطيع أحد مهما بلغ في عتوّه أن يزوّر التاريخ!
نسأل الله تعالى على عتبة عام جديد، أن يعطي اللبنانيّين الصبر على ما يواجهونه بإصرار وقدرة على الحياة قلّ ما رأيناها عند شعب آخر، وأن يكفيهم شرّ كلّ ذي شرّ وشرّ «الشيطان الرّجيم».