Site icon IMLebanon

ماذا يريد مسيحيو لبنان من السعودية؟

يسّجل للسعودية في وعي ولا وعي الفرد والجماعات اللبنانية وتحديًدا المسيحية٬ أنها لم تسَع يوما إلى الهيمنة على القرار اللبناني٬ ولم تدعم فريًقا على قاعدة طائفية أو مذهبية٬ وتكفي الإشارة إلى الحرب الأهلية التي كانت بأحد أشكالها مسيحية ­ إسلامية٬ حيث كان يفترض موضوعًيا ومنطقًيا أن تكون الرياض إلى جانب المسلمين ضد المسيحيين٬ ولكنها عملًيا كانت على مسافة واحدة من الطرفين٬ بل سعت جاهدة على مدى سنوات للتوفيق بينهما٬ فكان اتفاق الطائف.

ويسّجل للسعودية في وعي ولاوعي الفرد والجماعات اللبنانية وتحديًدا المسيحية٬ أن دورها لم يشكل يوًما هاجًسا سيادًيا وخطًرا على الاستقلال اللبناني على غرار مصر عبد الناصر وفلسطين عرفات وسوريا الأسد وأخيًرا إيران ولاية الفقيه٬ بل بقيت دولة صديقة للبنان داعمة لسيادته واستقلاله وعيشه المشترك.

ولكن قد يسّجل على السعودية بالمقابل في وعي ولاوعي البعض لدى الجماعات اللبنانية وتحديًدا المسيحية٬ الذين يرون أن السعودية غضت النظر عن التسليم الأميركي لسوريا الأسد بالهيمنة على لبنان٬ وبالتالي الانقلاب الأميركي ­ السوري على اتفاق الطائف الذي كانت أحد رعاته الأساسيين٬ مما سمح باحتلال سوري للبنان لمدة 15 عاًما فتح الباب أمام طهران لنشر ثورتها في أول بلد عربي٬ حيث شكل الاحتلال السوري فرصة ثمينة لبناء «حزب الله» عسكرًيا وسياسًيا واجتماعًيا وتوسيع دوره وتشريعه.

ويسّجل على السعودية أيًضا في وعي ولاوعي الفرد والجماعات اللبنانية وتحديًدا المسيحية أنها تساهلت مع النظام السوري بعد اغتيال «الشهيد» رفيق الحريري٬ كما تساهلت مع كل محور الممانعة وصولاً إلى اللحظة التي طفح معها الكيل فقررت وضع «حزب الله» على لائحة المنظمات الإرهابية.

ولكن السعودية تحظى٬ على رغم ذلك٬ بتفهم لبناني ومسيحي من منطلق حرصها الدائم على الاستقرار في لبنان٬ والأهم أن أحًدا لم يعتبر دورها يوًما بأنه يشكل تهديًدا للسيادة اللبنانية.

وما يّصب في مصلحة السعودية أن النظرة إليها اختلفت بين الأمس واليوم٬ وذلك ليس لجهة نظرتها إلى لبنان التي لم تتبدل قط٬ بل لناحية دورها الذي تعاظم واختلف إلى حد كبير من دولة عادية إلى دولة إقليمية بامتياز تتولى دور رأس الحربة دفاًعا عن سيادة الدول العربية في مواجهة المشروع الإيراني.

ومن هنا بات الحمل على المملكة كبيًرا٬ وانتظارات الشعوب العربية منها أكبر بكثير٬ ومن بينها الشعب اللبناني وجزء واسع ووازن من هذا الشعب والمتمثل بالمكون المسيحي الذي يتطلع إلى دور سعودي مثلث الأضلاع:

أولاً٬ لطالما اعتبر المسيحي في لبنان أن الجغرافية اللبنانية تشكل عامل نقمة على لبنان لوجوده بين دولة عدوة (إسرائيل)٬ ودولة أخرى (سوريا) لم تعترف يوًما باستقلاله وسعت دوًما وتسعى إلى مصادرة قراره٬ الأمر الذي جعله يلجأ إلى الغرب والأمم المتحدة لضمان استقلاله٬ ولكن هذا المسيحي لم يعد يجد في ذاك الغرب أي ضمانة لسيادة بلده٬ بل يعتبر أن الضمانة المطلوبة يجب أن تكون من دولة إقليمية معنية بقضايا المنطقة مباشرة٬ وليست غربية باتت اهتماماتها داخلية٬ وتبدي مصالحها على الاعتبارات المبدئية٬ وبالتالي يرى في السعودية تلك الدولة القادرة على ضمان الاستقلال اللبناني كونها لا تبغي أي نفوذ أو هيمنة على قراره السياسي٬ كما ضمان تحييده عن صراعات المحاور الخارجية٬ ومنع أي تدخل خارجي في شؤونه٬ وتحديًدا من قبل سوريا.

ثانًيا٬ إذا كان ما تقدم في النقطة الأولى هو على المستوى المبدئي٬ فإنه على المستوى العملي لا يمكن للبنان أن يستعيد سيادته في ظل تمسك «حزب الله» بسلاحه ودوره الإقليمي٬ وبالتالي الرهان الوحيد على قيام الدولة اللبنانية وتحقيق السيادة وإنجاز الاستقلال هو على السعودية فقط لا غير لجهة تشددها في مفاوضاتها مع إيران في المستقبل القريب أو البعيد برفض أي دور للحزب خارج لبنان والدولة٬ وخارج هذا السياق لا أمل للبنانيين باستعادة سيادتهم٬ خصوًصا في ظل مخاوفهم من مقايضات على حسابهم كما حصل بين واشنطن ودمشق في حرب الخليج عندما قايضت أميركا انضمام سوريا إلى التحالف الدولي بتسليمها الورقة اللبنانية.

ثالًثا٬ إذا كانت السعودية مطالبة مسيحًيا بأن تكون الضمانة لاستعادة السيادة اللبنانية من المشروع الإيراني٬ فإنها مطالبة أيًضا بأن تكون الضمانة لتحقيق الميثاق

ثالًثا٬ إذا كانت السعودية مطالبة مسيحًيا بأن تكون الضمانة لاستعادة السيادة اللبنانية من المشروع الإيراني٬ فإنها مطالبة أيًضا بأن تكون الضمانة لتحقيق الميثاق الوطني المتمثل في الشراكة المسيحية ­ الإسلامية٬ خصوًصا أن لبنان يرتكز على ركيزتين أساسيتين؛ السيادة والميثاق٬ وفيما السيادة منتهكة من قبل «حزب الله»٬ فإن الميثاق ما زال بدوره منتهًكا منذ الاحتلال السوري للبنان٬ ويتطلب رعاية سعودية مباشرة للضغط على «المستقبل» من أجل تصحيح الخلل الذي تعمق بالممارسة لاعتبارات سلطوية وليس آيديولوجية على غرار «حزب الله».

فالأمل الوحيد في تحقيق السيادة هو على الدور السعودي مع إيران وليس على دور «حزب الله»٬ والأمل الوحيد في تحقيق الشراكة الفعلية هو على السعودية وليس على دور تيار «المستقبل».

ويبقى أن لبنان في أمس الحاجة لرعاية سعودية من أجل أن يستعيد سيادته وميثاق عيشه المشترك٬ ومن دون هذه الرعاية سيبقى ساحة نفوذ إقليمية وصراعات مفتوحة على السلطة تفقده مع مرور الوقت قيمته المضافة كبلد نموذج ورسالة.