Site icon IMLebanon

ماذا قدمت واشنطن في كامب ديفيد؟

اللقاءات الخليجية التي عُقدت في الرياض مطلع هذا الشهر مهّدت الطريق لتوحيد المواقف داخل مؤتمر «كامب ديفيد».

وقد شارك الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في القمة الاستثنائية، كضيف شرف، بحيث قدم دعمه للموقف العربي، ولكل ما يمكن أن يصدر عنه من تطورات تؤثر على مشاريع الحلول المرتبطة باليمن وسورية ولبنان والحرب على الارهاب.

والمؤكد أن الانقلاب المسلح الذي نفذه الحوثيون في اليمن، بفضل الدعم الايراني المتواصل، كان الدافع الأساسي لتشجيع الادارة الاميركية على مراجعة علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي. ويعترف الوزير جون كيري أن القمة الاميركية – الخليجية كانت بين أولويات تلك المراجعة.

والسبب، كما حدده الرئيس باراك أوباما لصحيفة «الشرق الأوسط»، يتعلق بضمان حرية الملاحة في المياه الدولية، وخصوصاً عند مضيقي هرمز وباب المندب.

ومن أجل تأمين وصول الطاقة الى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي، إضافة الى الصين واليابان والهند، قرر أوباما التشاور مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي بهدف إيجاد حل يمنع تمدد ايران. وقد أرسل وزير خارجيته جون كيري الى روسيا بغرض التنسيق مع الرئيس فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف حول القضايا الملحة التي تحتاج الى مشاركة دولية.

الرئيس أوباما إقترح عقد الاجتماعات في منتجع «كامب ديفيد»، علماً أن غالبية الدول العربية لا ترتاح كثيراً الى هذا الموقع الذي إختاره الرئيس جيمي كارتر لتحقيق مبادرة السلام المصرية – الاسرائيلية سنة 1978.

ويقع منتجع «كامب ديفيد» في وسط جبال كاتوكتن بولاية ماريلاند، على مسافة 115 كيلومتراً من العاصمة واشنطن.

وقد اختاره الرئيس فرانكلن روزفلت، أثناء الحرب العالمية الثانية، ليكون موقعاً مميزاً للإجتماعات السرية التي يعقدها مع كبار الزوار، وبينهم ونستون تشرشل.

وبسبب أهمية المسؤولين الذين كانوا يرتادونه، أحيط بأسلاك شائكة مكهربة، وأخضِعَ لحراسة مشددة.

وفي مذكراته، كتب روزفلت يصف الراحة النفسية التي يتمتع بها وسط غابة شاسعة ممتدة على مساحة تبلغ 36 كيلومتراً مربعاً. وقد أطلق مالكها الأصلي على هذه الغابة إسم «شانغريلا». وهو إسم مقتبس من رواية جيمس هيلتون «الأفق الضائع».

وكانت مشاريع الإعمار في هذا الموقع قليلة ومحدودة، بحيث أنها في مطلع السبعينات كانت تقتصر على ثلاث فيلات تتألف الواحدة منها من ثلاث غرف نوم وتوابعها. وقد أعطى روزفلت كل فيلا إسماً مقتبساً من أسماء الأشجار الاستوائية النادرة.

ومن أجل نقل الزوار وضيوف الرئيس من واشنطن أو نيويورك، تم تشييد مطار صغير للمروحيات.

الطريف في الأمر أن الرئيسين ترومان وكينيدي لم يستعملا هذا المنتجع طوال مدة حكمهما، بينما واظب دوايت ايزنهاور وريتشارد نيكسون على قضاء «الويك اند» بين حدائقه الجميلة.

وكان ايزنهاور يفاخر بأنه هو الذي إستبدل إسم هذا المنتجع باسم حفيده «ديفيد». لذلك عُرِف من بعد ذلك باسم «كامب ديفيد»، أي مخيم ديفيد.

وقد إختاره ايزنهاور كمكان لاستقبال ضيوفه المهمين من أمثال الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف. ومنذ ذلك الحين إشتهر هذا المنتجع بأنه المكان المثالي لتخفيف وطأة التوتر العالمي. وعلى هذه الشهرة إستند جيمي كارتر لينقذ مبادرة السلام المصرية – الاسرائيلية سنة 1978.

ويبدو أن الادارة الاميركية حاولت التخفيف من وقع مفاوضاتها مع ايران، والتي من المفروض أن تنتهي آخر شهر حزيران (يونيو) المقبل. لذلك دعت دول مجلس التعاون الخليجي الى مؤتمر يُعقد في «كامب ديفيد» بغرض تنسيق المواقف، وعرض المحاذير والمخاطر التي يفرزها تقارب واشنطن من طهران.

قبل الانتقال الى المنتجع، دعا الرئيس أوباما ممثلي الوفود الى مأدبة عشاء في البيت الأبيض، حضرها نائبه جوزيف بايدن وكبار المسؤولين عن سياسة الشرق الأوسط.

ومن أجل إزالة الشكوك التي أثارتها وسائل الاعلام حول تخلي الادارة الحالية عن التزاماتها السابقة تجاه الخليج العربي، حرص أوباما على عرض سجل تاريخي لتحالفات بلاده مع المملكة العربية السعودية. وكان ذلك أمام ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مؤكداً لهما أنه إتصل بالملك سلمان بن عبدالعزيز الذي إعتذر عن الحضور بسبب إرتباطاته الداخلية واهتمامه بتطبيق الهدنة الانسانية في اليمن.

والملفت في هذا السياق، أن الصحف الاميركية والاوروبية تناولت مسألة غياب خادم الحرمين الشريفين بكثير من التشكيك والتأويل. بينها مَنْ كتب يقول إن الاعتذار هو صيغة ملطفة للتعبير عن إستياء المملكة من إتفاق واشنطن مع طهران.

وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» تقول: إن الاعتذار المفاجىء الذي صدر عن الملك سلمان – بعدما ذكرت الادارة أنه سيحضر – ليس أكثر من دليل على إنزعاج سعودي – خليجي من التقارب الايراني – الاميركي.

وحيال تزايد التفاسير، إضطر وزير الخارجية عادل الجبير لأن يعلن بأن عدم حضور قمة «كامب ديفيد» من قِبَل العاهل السعودي ليس مرتبطاً بأي شكل من أشكال الخلاف مع الولايات المتحدة.

المحللون المحايدون قدموا تفسيراً مرتبطاً بواقع المتغيرات التي فرضتها عملية «عاصفة الحزم» في اليمن، الأمر الذي فاجأ الادارة الاميركية وأثار إهتمامها. وبما أن السعودية إتخذت قرار الدفاع عن النفس من دون إستشارة واشنطن، فقد إعتُبِر هذا العمل تطوراً في السياسة الدفاعية الخليجية. كل هذا بسبب ممارسة قرار مستقل أثناء مقاومة تمدد الحوثيين.

ومن هذا المنطلق يختزل المراقبون القرارات الخليجية المستقلة بأنها ستكون أكثر نأياً عن الولايات المتحدة… وأكثر إعتماداً على الذات. لذلك جاءت صفقة شراء قطر لـ 24 طائرة حربية من طراز «رافال» كصورة للتوجه الجديد لدى دول مجلس التعاون الخليجي.

ويرى وزراء دفاع هذا المجلس أن الغارات الجوية المتواصلة ضد الحوثيين في اليمن، وأنصار «داعش» في سورية، قد زادت الحاجة الى طائرات من طراز «اف – 35». وكانت اسرائيل قد إعترضت على بيعها للدول العربية خوفاً من زعزعة تفوق ترسانتها الجوية.

تقول الصحف الاميركية إن جلسات يوم الخميس الماضي أحيطت بسرية تامة، بسبب حساسية المواضيع التي أثيرت في الداخل.

وقد عرض الفريق الاميركي وجهة نظره من خلال المناقشات التي إشترك فيها الجميع مع التركيز على المعطيات التالية:

أولاً – ان تاريخ الولايات المتحدة يدل على توقيع إتفاقيات تهدئة مثلما وقع نيكسون مع عدوه بريجينيف إتفاقية سلام. واليوم يستعد أوباما للتوقيع مع إيران على إتفاقية بشأن برنامجها النووي.

ثانياً – بما أن عامل الثقة مفقود بين الفريقين، فان واشنطن طلبت تثبيت أجهزة رصد ومراقبة حول مختلف المواقع التي شيدت فوقها المفاعلات النووية.

ثالثاً – تسعى الولايات المحدة من وراء الاتفاق الى إستكشاف الهوية الوطنية الحقيقية التي يتلطى وراءها النظام. بكلام آخر، هل تريد ايران أن تكون دولة عادية كسائر دول الأمم المتحدة… أم تريد البقاء دولة إسلامية ثورية مثلما صنّفها الخميني سنة 1979؟

رابعاً – بعد عداء إستمر 37 سنة، يحاول أوباما عقد صفقة مع ايران، شبيهة بالصفقة التي عقدها الرئيس ريتشارد نيكسون مع الزعيم الصيني ماوتسي تونغ. وكان من نتيجتها أن تبدلت طبيعة النظام الشيوعي الجامد، وانطلقت الصين لتغزو الدول الرأسمالية باقتصادها المتين والمنفتح.

وترى الأمم المتحدة أن التحوّل، الذي يتوقعه أوباما خلال السنوات العشر المقبلة، سيُسقط علي خامنئي من قمة الارشاد الأعلى. ومن المؤكد أن «الحرس الثوري» وأنصار خامنئي سيخسرون من وراء التغيير المنتظَر. وهذا ما يحفزهم على التمرد والعصيان. بل هذا ما يدفع القيادة الايرانية الى مواصلة عمليات التمدد في لبنان وسورية والعراق واليمن، إلا إذا ربح تيار الرئيس حسن روحاني في قلب النظام السابق، وإزالة الخيمينية من المؤسسات التي ولدت بفضله. ومثل هذا الافتراض صعب التحقيق إلا في حال تلقت ايران صفعة قوية كالصفعة التي سددها لها العراق، وأجبرت الخميني نفسه على الاعتراف بالهزيمة.

ويُستدَل من مراجعة سجل التطورات التي رافقت رغبة ايران في حيازة السلاح النووي، أن الشاه كان أول مَنْ سعى لامتلاك القنبلة. وكان الدافع الى هذا الجهد تخوفه من تحقيق حلم صدّام حسين في صنع قنبلة يهدد بها جارته ايران. إضافة الى الدور الاقليمي الذي منحه إياه هنري كيسنجر يوم سمح له برفع سعر النفط من ثلاث دولارات الى أحد عشر دولاراً. وكان ذلك من أجل دفع 17 بليون دولار للولايات المتحدة كثمن أسلحة.

وعندما بلغ الشاه أن صدّام يوشك على حيازة القنبلة، أمر بالهجوم على المنشأة النووية العراقية بواسطة طائرات «الفانتوم» في تشرين الأول (اكتوبر) 1980. ولما فشلت المهمة، تولت اسرائيل عملية التدمير.

وفي «كامب ديفيد» أعرب الوفد الاميركي عن إستعداده لحماية دول الخليج ضد أي سلاح نووي قد تنتجه إيران بعد عشر سنوات. أي مثلما قدمت الضمانات لحليفاتها: اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

ولكن الدول العربية – وفي طليعتها السعودية ومصر والامارات – ستحصل على السلاح النووي كمنتج ناجز من باكستان، أو أن فرنسا ستباشر في تزويد المفاعلات الجديدة بالخبرات التي قدمتها سابقاً لاسرائيل!